غزوة أوطاس: أحداث دلالات
كانت غزوة غزوة أوطاس: أحداث دلالات بعد غزوة حنين، وسببها محاولة هوازن من ثقيف أن تثأر لهزيمتها على أيدي المؤمنين يوم حنين.
لكن هذا لم يحدث، وإذ تكبدوا هزيمة نكراءَ أخرى، ولتنضاف إلى هزيمة يوم حنين، وليكون الاندحار مركبًا، فيعمل فيهم عمله؛ من خزيهم، ومن حمقهم، ومن سفههم، وحين أخذتهم جرأتهم، بل رعونتهم، ولما لم يحسبوا حساباتهم العسكرية بدقة، ومن خلال واقعهم المهزوم، ما زال جرحهم نازفًا!
وهذا درس حاسم للمنهزم، ألا يطل برأسه من جديد، ولربما كان رأسًا أينعت، فحان قطافها!
أو على الأقل إن شئت فقل، وريثما يعيد ترتيب أوراقه من خطط جديدة، ولتتلاءم مع وضع جديد، وإذ كان نتاج رعونته خزيه، وإذ كان من حمقه شينه واندحاره وانهزامه، وحين ناصب الله تعالى العداء، وعلى الحقيقة وإن ظن سوءًا أنه يحارب نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم وحزبه! وهذه آفة كل جواظ عتو متكبر جبار.
لكن هذا وفي معزل عن جندنا، ولأنهم يتكيفون مع كل واقع جديد، ولأنهم يعملون بنور ربهم، وعن عون منه وسند سبحانه.
فالتأمل التأملَ!
والتأني التأني!!!
والتهور التهور!!!
هذا شريد أبي عامر:
وهذا هو قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويوم أوطاس، يوم أن راحت فلول هوازن ثقيف تجر أذيال خيبتها، وبعد هزيمة ثلاثين ألفًا، وأمام جند الله تعالى البواسل، وإذ كان عدادهم اثني عشر ألفًا، ولتعلم هوازن ثقيف وغير هوازن ثقيف، وعلى مدار الزمان والمكان كليهما - أن القوة لله جميعًا، وأن الله شديد العقاب، وإذ كانت هذه هي سننه الجارية التي لا تتغير ولا تتبدل، وحين تدك حصون الكفر، وأمام جند الله تعالى المخلصين، وحين أوحى الله تعالى ربنا إلى الملائكة الكرام البررة المنزلين، وليقوموا بواجب نصرتهم، لعبيد الله تعالى وأوليائه، وعلى أرض الميدان، وإذ ها هو جبريل أحدهم، وإذ إن له ستمائة جناح، لو بسط اثنين منهما لملأ الأفق! بل سد الأفق!! وبينهما فارق عظيم، وكما بين جناحيه عليه السلام وجناح طائر من طيور أرضنا الممهدة المنبسطة لنا! نعمة من ربنا! وكما قال الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ [البقرة:165].
وإذ ها هم فلول يتتبعون أعالي جبال الطائف، وفي محاولة بائسة يائسة، وأن يلملموا بعض أوراقهم المبعثرة، وبدل أن يكون من أخذهم الدرس إسلامهم، وإذ ها هم أولاء يتعرضون بأنفسهم، وأمام أبي عامر الأشعري، وحين لوى على عشرة إخوة ليحصدهم حصدًا، واحدًا ومن بعد أخيه الآخر، وفي كل مرة يقول: اللهم اشهد عليه، وحتى أتى عاشرهم فانفلت، وثم عاد مسلمًا، ومن بين يدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحين أسلم بعدُ، وحسن إسلامه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال: هذا شريد أبي عامر! وفي واقعة تشهد لأبي عامر يوم فعله هذا؛ لأنه ما قدم على فعل ما فعل إلا لله تعالى العلي الأعلى سبحانه.
وهذا دريد بن الصمة، وكان قد بلغ عمرًا طويلًا، ويكأن الله تعالى لم يمنن عليه بإسلامه، ولحكمة يعلمها الله تعالى، وإذ كان يعد حكيمًا في قومه، ومثل هذه الحكمة أن تتشرب الحق تشربا، وأن تتفاعل معه، وله، فتغترف من هديه، وتتنشق من رحيقه، وتتنسم من عليله، وتتسنم ظلاله، وإذ بها تعلو مرفرفة آفاق المجد والعلا، وحين ختمت حياتها بميلاد يوم النشأة الجديد، ويوم أن أسلمت وجهها لله، وهي محسنة.
لكنك تعجب! وأيما عجب! وحين يدغدغ دريد بن الصمة هذا مشاعر ذات نفسه، وهو إذ يشرح لربيعة بن رافع السلمي، وحين ضربه بسيفه، فلم يغن شيئًا.
وليقول له دريد: بئس ما سلحتك أمك! خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في الشجار، ثم اضرب به، وارفع عن العظام، واخفض عن الدماغ، فإني كذلك كنت أضرب الرجال!
ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب والله يوم منعت فيه نساءك، فزعم بنو سليم أن ربيعة قال: لما ضربته فوقع تكشف، فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القراطيس، من ركوب الخيل أعراء.
فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه، فقالت: أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثًا[1].
وفيه أن أعمال البر ليست تغني عن العبد شيئًا، وحين لا يكون موسومًا بالعلم والتقوى والصلاح ومنابذة الأعداء، ومن بعد إسلام وجهه لله تعالى وهو محسن، ولأنه الله تعالى ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾ [الفرقان:23].
وغير أن هذا صلف وكبر، وحين يموت هذا الرجل، وعلى سنه ذلك، وإذ كان أولى له أن يشهد شهادة الحق! ولكن هكذا الشيطان، وحين يمثل للكبار، ولما يشخص للصغار، وكما من شأنه يوم دريد هذا، وكما أن يوم أبي طالب عنا ليس بعيدًا!
وأقول: إن يوم أوطاس هذا كان هزيمة، ولا كهزيمة جيش جرار، وأمام نده، ومن قول، وإنما هي هزيمة! ومن نوع آخر تمامًا! ومن بعد هزيمة يوم حنين، وإذ وكما أنف، وكيف حسب هذا الأحمق عامر بن مالك النصري، وأنه يمكنه أن يستعيد مجدا قد كان؟! وهو إذ يواجهه قوم لا قبل له بهم؟! أو بأحدهم! ومن أمثال أبي عامر الأشجعي! واحدًا من هؤلاء الجبال الرواسي، بل أشد بأسًا من تيكم الجبال الرواسي، وحين دكت معادنهم الاثني عشر ألفًا الثلاثين ألفًا! وفي عقر دارهم! يوم حنين، وها هم يطلون برؤوسهم، ومن قرب مكة البلد الحرام، ومن وراء الطائف، ولحكمة يعلمها الله تعالى، أنهم جاؤوا إلى حيث هنا، وليعمل أهل الطائف ذعرًا، وحين يدفن أهل أوطاس في جبالها، ومن أمامهم، وأن يومهم ومن كمثلهم لقريب!
وهذه مهارة عسكرية، وحين يخوف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الخصم بخصم آخر، ويبدو أن هذا نظام عسكري نبوي حميد، وخاصة لأننا لمسناه في غير هذا الموضع، ومن هذه السيرة النبوية المباركة، وإذ ليست عنا دومة الجندل ببعيدة، وحين أخاف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بها بني تميم، وإذ أخاف أيضًا بها قيصر الروم، وحين دب الذعر من فرائصه، وحين قد سمع صراخ بني تميم، ومن صراخ دومة الجندل أيضًا! وإذ ويكأنك تراه ليس يكاد يمشي أو يسير، وليعثر هنا مرة، ولينكفئ هناك الكرة! وحين غلبه بوله! ومن رعدته وخوفه وذعره!
وهذا لعمري هو الإعجاز، وبعينيه لا عين واحدة! ولأن يوم الفنون العسكرية، ولأن يوم الجهبذة التعبوية لم يزل خالدا أبدًا، وماثلًا أبدًا أيضًا؛ ليرهبوا عدو الله وعدوهم، وبأيديهم هم، لا بأيدي المؤمنين وحسب.
ولسنا ننسى أيضًا يوم بني النضير، وإذ ما زال حاضرًا، وكأنما هو عمل اليوم! وحين خربوا بيوتهم بأيديهم، وأيدي المؤمنين وحين قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر:2].
* * *
« يا ابن أخي أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، وقل له: استغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس »:
وهذا قول أبي عامر الأشجعي، يوم أوطاس، ويوم أن أبلى في الله تعالى البلاء الحسن، وكما أنه أوجب، وحين باع نفسه كريمة لله تعالى العلي الأعلى سبحانه، وحين كان هذا الجيل، وكل جيل مسلم آخر، يرى الجنة، تحت ظلال السيوف، وكما أنها أيضًا في محاريب العلم، وحين تنفر كل طائفة على وجهها، فهذه تقاتل في سبيل الله، وهذه تتلقى علما في سبيل الله تعالى أيضا، وكل على ثغر، وفي ترتيب أمة ماهرة، وفي ضبط قيادة ساهرة، وإذ كل ينهض بما تمثل له من دوره وعمله، وهذا مصداق قول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة:122]، ومن جانب آخر يقول الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال:60]، وإذ وحين لزوم الأمر، يتعانق السيف مع الكتاب، وحين يتبادلان معا أعنة رماحهم، وأغماد سيوفهم؛ قضًّا لمضاجع الكفران، ورفعًا لأعلام الهدى والإسلام والفرقان والإيمان!
وإذ كان بالعلم تعرف الأمة طريقها، ولتفعل هذا، وعن علم، ولتترك هذا، وعن فقه، ولتجاهد هذا، وعن بينة، ولتقاتل هذا، وعن حجة ودليل وبرهان، والعلم والجهاد هما عمادًا ماضي الأمم وحاضرها ومستقبلها، وهما موجبا التقدم لا التقهقر، وهما سببا السعادة لا الشقاء، وهما ذراعا الحضارة لا التأخر، وشرط أن يكون كل ذلك لله تعالى، وخشية أن يكون صاحب هذا، أو ولي ذلك من أول من تسعر بهم النيران!! وعلى حديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الشأن.
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنَّ اللَّهَ تبارَك وتعالى إذا كانَ يومُ القيامةِ ينزلُ إلى العبادِ ليقضيَ بينَهم وَكلُّ أمَّةٍ جاثيةٌ فأوَّلُ من يدعو بِه رجلٌ جمعَ القرآنَ، ورجلٌ يقتَتِلُ في سبيلِ اللهِ، ورجلٌ كثيرُ المالِ، فيقولُ اللَّهُ للقارئِ: ألم أعلِّمْكَ ما أنزلتُ علَى رسولي، قالَ بلى يا ربِّ، قالَ فماذا عملتَ فيما عُلِّمتَ، قالَ كنتُ أقومُ بِه آناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ، فيقولُ اللَّهُ لَه كذَبتَ، وتقولُ الملائِكةُ كذَبتَ، ويقولُ له اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ قارئٌ، فقد قيلَ، ذلكَ ويؤتى بصاحبِ المالِ، فيقولُ اللَّهُ ألم أوسِّعْ عليكَ حتَّى لم أدعْكَ تحتاجُ إلى أحدٍ، قالَ بلى يا ربِّ، قالَ فماذا عمِلتَ فيما آتيتُك، قالَ كنتُ أصلُ الرَّحمَ وأتصدَّقُ، فيقولُ اللَّهُ لَه كذَبتَ، وتقولُ الملائِكةُ لَه كذَبتَ، ويقولُ اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ جَوادٌ وقد قيلَ ذلكَ، ويُؤتى بالَّذي قُتلَ في سبيلِ اللهِ، فيقولُ اللَّهُ لَه في ماذا قُتلتَ، فيقولُ أُمِرتُ بالجِهادِ في سبيلِك، فقاتلتُ حتَّى قُتلتُ، فيقولُ اللَّهُ لَه كذبتَ، وتقولُ لَه الملائِكةُ كذبتَ، ويقولُ اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ جريءٌ، فقد قيلَ ذلكَ، ثمَّ ضربَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَى رُكبتي، فقالَ يا أبا هريرةَ أولئِك الثَّلاثةُ أوَّلُ خلقِ اللهِ تُسعَّرُ بِهمُ النَّارُ يومَ القيامة[2].
وعود على خبر أبي عامر الأشجعي، وحين قدمت نفسه طريحًا بين يدي صاحبه، وإذ يرمق من رمقه الأخير، وبعد أن كان نصر يوم أوطاس من سببه، ويوم أن كان فوز يومه ذلك من بذله، وإلا أنه يودع دنياه، ويطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يستغفر له، وهذه المغفرة هي ذلكم الهدف الذي يصبو إليه كل عبد قانت، وهذه المغفرة هي التي حولها يدندن كل منيب تائب.
وبيد أننا نقرأ ملامح الإخبات والخضعان والخشعان، وحين تبدى من قول أبي عامر الأشجعي رضي الله تعالى عنه، وإذ كان له شرف التكليف، من القائد الأعلى للقوات المسلحة الإسلامية، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يوم أوطاس هذا.
بيد أننا نندهش، وحق لنا ذلك! ويوم أن قتل التسعة الإخوة، وما بقي منهم إلا واحد، وليكون له شرف نيل الشهادة ومن سببه!
وإلا أننا نزداد دهشة، وحين يطلب أبو عامر من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له وأمامه عمله هذا، وإذ مات شهيدًا! وإذ كان جزاء الشهداء عند ربهم عظيمًا، وأنهم لأحياء عند ربهم يرزقون، وكما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران:169].
وإلا أننا أيضًا نجيب على ذلكم، وحين يسعفنا الرد، أن هؤلاء قوم، كان عملهم لله.
ودل على قيام أبي عامر بمهمته، لا أننا وهكذا نراه مسجى بين يدي الله تعالى وحسب، وإلا أننا أيضًا نشهد ومع الملائكة الكرام الكتبة البررة، أنه قدم لنا مرحلة من مراحل الفوز العظيم، وحين كان نصرًا، يوم أوطاس، ومن سببه وقيادته وبلائه وعمله في الله تعالى العمل العسكري الحاسم، والنبل القتالي الفائق!
وإلا أن هذا ليس يصرفنا عن بيان حال هذا القائد الأعلى للقوات المسلحة الإسلامية، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويوم أن راح إليه عبدالله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وليخبره وصية أخيه في الله تعالى أبي عامر الأشجعي، وأن يستغفر له نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه وهذا حاله، وقد قام بواجب القتال، وحين رأته ملائكة السماء الكرام الكتبة البررة، وهكذا مسجى، من ضربة سيف، أو من طعنة رمح.
وإذ لا زال الاندهاش قائمًا مقامه!
وأي استغفار طلب أبو عامر الأشجعي؟! وها هو إذ تحمله ملائكة الرحمة حملًا، وإلى جنات عرضها السماوات والأرض، أعدت للذين آمنوا بالله ورسله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم؟!
وإذ ليس أمامنا إلا ذلكم الاستغفار، الذي كان ديدنًا لهم ونظامًا يعيشون عليه، وكأنما كان طعامهم الذي يقتاتون به، أو كأنه كان شرابهم الذي به يرتوون أيضًا، عملًا خالصًا متقبلًا، وحين قد تعلموا ذلكم من نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وإذ كان يمكن أن يكون زيادة طهر، وحين أقبلوا على رب كريم رؤوف رحيم عفو حسن التجاوز سبحانه.
* * *
السريرُ المُرَمَّلُ! وأقول: إن وصفًا لسرير كان ينام عليه َّرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا تنقله لنا أوصافه، ومن فِي عبدالله بن قيس رضي الله تعالى عنه؛ ليوقفنا على أنه صلى الله عليه وسلم نعم قد نام على سرير! وأن نعم ومرمل برمال صحراء الجزيرة العربية! وأن نعم سرير، ولكنه لا على شيء من وصف سرر الناس يومنا هذا!
والله المستعان!
وإنما نترك عبدالله بن قيس ليصفه، ولأنه الذي رأي، ولأن وصفًا لنا من بعده، ربما ضبب الصورة، وأعتمها، فلا تبدو وكما قالها عبدالله بن قيس، آخذة للقلوب، آسرة للأفئدة، وحين قال رضي الله تعالى عنه: فرجعت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مرمل، وعليه فراش، قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه!!!
وهكذا كانت حياة هذا النبي وحين قاد أمة فتح الله تعالى بها الأرض مشارقها ومغاربه!
ويكأننا نقدم هذا النبي الأمي العربي الكريم، ابن صحراء مكة راعي غنمها! ومرة أخرى هدية للعالمين، سننه، وهديه، وقيامه، وقعوده، وسلمه، وحربه، ووفاؤه، وإخلاصه، وزاجه، وطلاقه، وبيعه، وشراؤه، ورحمته، ورأفته، وعلمه، وتواضعه، وشدة بأسه، وقوة شكيمته، وعزة نفسه، وبذله، وتفانيه، وعدله، ومودته، وعفوه، وحلمه؛ وصفحه، وسائر ما يمكن أن يكون موجودًا بين دفتي قواميس العالم - كلها وكله - من أصول الشيم، وقواعد القيم، النبيلة، الرفيعة، العالية، السامقة، الجليلة القدر، العظيمة الشأن.
بأبي هو وأمي ونفسي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وهكذا دعا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأخيه أبي عامر الأشجعي، وهكذا دعا صلى الله عليه وسلم أيضا لأخيه عبد الله بن قيس، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
ودلك على صحة مذهبنا هذا ما رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن أبي موسى الأشعري أنه: لَمَّا فَرَغَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن حُنَيْنٍ، بَعَثَ أبَا عَامِرٍ علَى جَيْشٍ إلى أوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ بنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ، وهَزَمَ اللَّهُ أصْحَابَهُ. قالَ أبو مُوسَى: وبَعَثَنِي مع أبِي عَامِرٍ، فَرُمِيَ أبو عَامِرٍ في رُكْبَتِهِ؛ رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بسَهْمٍ فأثْبَتَهُ في رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إلَيْهِ، فَقُلتُ: يا عَمِّ، مَن رَمَاكَ؟ فأشَارَ إلى أبِي مُوسَى فَقالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الذي رَمَانِي، فَقَصَدْتُ له فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي ولَّى، فَاتَّبَعْتُهُ وجَعَلْتُ أقُولُ له: ألَا تَسْتَحْيِي! ألَا تَثْبُتُ! فَكَفَّ، فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلتُ لأبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ، قالَ: فَانْزِعْ هذا السَّهْمَ، فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا منه المَاءُ، قالَ: يا ابْنَ أخِي، أقْرِئِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ السَّلَامَ، وقُلْ له: اسْتَغْفِرْ لِي. واسْتَخْلَفَنِي أبو عَامِرٍ علَى النَّاسِ، فَمَكُثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ علَى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَيْتِهِ علَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وعليه فِرَاشٌ، قدْ أثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بظَهْرِهِ وجَنْبَيْهِ، فأخْبَرْتُهُ بخَبَرِنَا وخَبَرِ أبِي عَامِرٍ، وقالَ: قُلْ له: اسْتَغْفِرْ لِي، فَدَعَا بمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أبِي عَامِرٍ. ورَأَيْتُ بَيَاضَ إبْطَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَومَ القِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِن خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ، فَقُلتُ: ولِي فَاسْتَغْفِرْ، فَقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وأَدْخِلْهُ يَومَ القِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا. قالَ أبو بُرْدَةَ: إحْدَاهُما لأبِي عَامِرٍ، والأُخْرَى لأبِي مُوسَى[3].
* * *
مسألة السبايا مناسبة يوم أوطاس: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَومَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إلى أَوْطَاسٍ، فَلَقُوا عَدُوًّا، فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عليهم، وَأَصَابُوا لهمْ سَبَايَا، فَكَأنَّ نَاسًا مِن أَصْحَابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ تَحَرَّجُوا مِن غِشْيَانِهِنَّ مِن أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ، فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في ذلكَ: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء:24]، أَيْ: فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ[4].
وهذا فقه من سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولذا تعد دراسة السيرة النبوية المباركة حقلا واسعا، وميدانا عمليا رحبا، لمعرفة فقه العبادات، وعلى الحقيقة، وكما لو كان العبد وقد حدث فيه، أو من أمامه، والفرض أنه قصد به غيره، فهو ومن ثم حكمه حكمهم، ولقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإلا ما دل دليل على خصوصه، وهو كذلكم كتاب مفتوح، لتعلم فقه المعاملات، وكما لو كنت تراها رأي العينين، لا عين واحدة.
وهؤلاء هم الصحب الكرام، رضي الله تعالى عنهم، وقد سبوا نساء يوم أوطاس، ومن بعد نصرهم على عدو الله تعالى وعدوهم، وكما أنف، وفي مواضع أخر من هذه السيرة النبوية المباركة، فإن هذا عمل ليس جديدًا، ولا بدعًا من الأمر وزورًا، وحتى أقاموا له سوقًا كاسدة، لا رائجة! وإنما كان معمولًا به، وفي التاريخ شواهده، فإن أول من ملك من ولد قحطان بن هود النبي: ابن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح سبا بن يعرب بن قحطان، وكان اسم سبا عبدشمس؛ لأنه كان أول من ملك من ملوك العرب، وسار في الأرض، وسبى السبايا[5].
وكما هو أيضًا باب من أبواب حمل الناس على الديانة المجيدة، ولما يعلمون ثمن كفرهم وعنتهم، وحين تسبى نساؤهم، ولما تغتنم أموالهم، فيكونون صفرًا، ومن ثم وحين يحسبون لهذا حسابه، ولما يحسن إسلامهم من بعد.
وعلى أية حال، فإن الحكم في ذلك ما قاله ربنا تعالى، وحين أنزل في التنزيل الكريم، والذكر الحكيم قوله تعالى: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء: 24]، ودلالة على جواز استحلالهن فروجهن، ومن بعد عددهن.
وملك اليمين هن: السبايا اللواتي فرق بينهن وبين أزواجهن السباء، فحللن لمن صرن له بملك اليمين من غير طلاق كان من زوجها الحربي لها[6].
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كل امرأة لها زوجٌ فهي عليك حرام، إلا أمةٌ ملكتها ولها زوجٌ بأرض الحربِ، فهي لك حلال إذا استبرأتَها[7].
وقد بوب الإمام البخاري رحمه الله تعالى لذلكم بابًا قال فيه: باب: لا يكون بيع الأمة طلاقها، فدل على إمكان استبراء رحم من كانت ذات زوج، ودون إيقاع الطلاق بها، ومن مثله البيع، والسبي، وعلى شرط الاستبراء، وهو حيضة واحدة.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: لا توطأُ حاملٌ حتَّى تضعَ، ولا غيرُ ذاتِ حملٍ حتَّى تحيضَ حيضةً[8].
وهذا الحديث مناسبة سبايا يوم أوطاس أيضًا.
وإن السباء يحلهن لمن سباهن بعد الاستبراء، وبعد اخراج حق الله تبارك وتعالى الذي جعله لأهل الخمس منهن[9].
والآية خاصة بالمسبيات، فإن المسبية إذا سبيت حل وطؤها لسابيها، بعد الاستبراء، وإن كانت مزوجة، وهذا قول الشافعي، وأحد الوجهين لأصحاب أحمد، وهو الصحيح[10].
وأما عن عقد نكاحها بزوجها الأول، وقبل السبي، فإنه منفسخ؛ وبسبب السبي، "فتضمن هذا الحكم إباحة وطء المسبية، وإن كان لها زوج من الكفار، وهذا يدل على انفساخ نكاحه، وزوال عصمة بضع امرأته، وهذا هو الصواب؛ لأنه قد استولى على محل حقه، وعلى رقبة زوجته، وصار سابيها أحق بها منه، فكيف يحرم بضعها عليه، فهذا القول لا يعارضه نص ولا قياس"[11].
واستحلال فروج المسبيات شرع، ومن بعد وضعهن حملهن، أو انقضاء عدتهن.
واستحلالهن بغير عقد زواج، ولأن السبي سبب منعقد للحل.
فعن العرباض بن سارية أن النبيَّ- صلى الله عليه وسلم- حرَّمَ وَطْءَ السَّبَايَا حتى يَضَعْنَ ما في بُطُونِهنَّ[12].
ولأن الحديث نص في شرط وضعهن حملهن، ولم يشر إلى عقد النكاح، ولو كان لازمًا لنص عليه، بل هو أولى.
ومنه قول نبينا صلى الله عليه وسلم: مَن كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، فلا يَنكِحَنَّ شَيئًا منَ السبايا حتى تَحيضَ[13].
وشاهده أنه صلى الله عليه وسلم وضع شرط الحيض؛ لاستبراء المسبية، ولو كان النكاح لبينه، بل هو أولى أيضًا.
فائدة: فالطلاق ثلاث حيضات إذا كانت تحيض، أو ثلاثة أشهر إن كانت يائسة لا تحيض أو صغيرة، والوفاة أربع أشهر وعشر إن لم تكن حاملًا، فإن كانت حاملًا فبوضع الحمل، والخلع مثل المطلقة ثلاث حيض، ويجوز أن تعتد بحيضة واحدة على الصحيح، لكن إذا اعتدت بثلاث حيض يكون أحوط، والخلع هو أن يطلقها على مال، تعطيه مالًا حتى يطلقها أو يخالعها، يقال لها: مخلوعة، إذا طلقها على مال دفعته إليه، فإن طلقها بلفظ الطلاق طلقة واحدة مثل المطلقة تعتد ثلاث حيض، وإن اعتدت بحيضة أجزأت عند جمع من أهل العلم، لكن الأفضل والأحوط ثلاث حيض؛ لأنها اشترت نفسها فأشبهت الجارية تعتد بحيضة، تشبيه المسبية أو المشتراة تستبرأ بحيضة، فالمخلوعة تشبهها، ولهذا جاء في حديث امرأة ثابت بن قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد بحيضة لما اختلعت منه وأعطته ماله، ولكن كونها تعتد بثلاث حيض أولى وأحوط خروجًا من الخلاف وحرصًا على براءة الرحم[14].
يكاد الاندهاش ملازمًا، وبسرعة العجاب مصاحبًا! وذلك حين نعلم أن عدد من استشهد في كل من غزوتي حنين وأوطاس كان أربعة، وهم: أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أيمن بن عبيد، وزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، جمح به فرسه الذي يقال له الجناح فمات، وسراقة بن مالك بن الحارث بن عدي الأنصاري من بني العجلان، وأبو عامر الأشعري أمير سرية أوطاس[15].
وهذا في الشؤون العسكرية شبه محال! وخاصة وحين نعلم أن جيش هوازن كان عداده ثلاثين ألفًا، وفي مقابلة جيش نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإذ كان عداده اثني عشر ألفًا!!
وبحسبة بسيطة غير مركبة، كان جيش هوازن يوم حنين هذا على ضعفين ونصف الضعف من جيش المسلمين!!
وأكرر أن استشهاد أربعة وحسب من هؤلاء الاثني عشر نزر يسير!!
وأكرر أيضًا أن هذه الحصيلة، وليست تكاد تذكر، وحين كانت محصلة عقد اجتماعات، وإصدار قرارات، وخذ وهات، واعتراضات، جرت بين دريد بن الصمة، ومالك بن عوف النصري!
صحيح إن استشهاد ولو واحدًا من جند الإسلام الغر الميامين ليعد خسارة، ولأن الجندي المسلم له قيمة في موازين هذا الدين ولا شك، وإنما نحن نتحدث عن موازين القوى، وشأنها في مثل هذا الوضع الذي نخرج منه رافعي رؤوسنا، وخاشعة قلوبنا، وحين نرى هذا الإعجاز، ليس من موازيننا نحن معاشر البشر المساكين، وإنما من حسابات السماء، وكيف أقلقت الكافرين، وشتت شملهم، وخيبت ظنَّهم، وحين انهزموا أولًا، وحين كان عداد قتلهم هم هؤلاء الأربعة رضي الله عنهم أجمعين، وكذلك من حسابات هيئة التعبئة والإحصاء للقوات المسلحة، سواء الإسلامية، أو حتى هذه تلك التابعة لهوازن!
وسلوا التاريخ! هل سجلت من دفاترك أن قومًا عدادهم ثلاثون ألفًا واجهوا قومًا عدادهم اثنا عشر ألفًا، ويخرجون بذلكم خزي عسكري، وحين قتلوا أربعة منهم فقط؟!
ومما لا شك فيه ولا مرية أن جوابه لسوف يكون حاسمًا، وحين أحسبه قال: نعم، وليس ذلكم إلا يوم حنين وأوطاس!
وتالله، وبالله، ووالله، لو لم ينتصر المسلمون يومهم هذا، لعددناه نصرًا مجيدًا!
وسبب ذلك وكما سبق أن أربعة قُتلوا من اثني عشر ألفًا مواجهين ثلاثين ألفًا!
ويكون قولنا إذًا ممهورًا بتواقيع الصدق، وحين أيده الخبراء العسكريون من المشارق ومن المغارب أيضًا.
وقلت أيضًا: ولا شك أن منهم منصفين، وسوف يقولون قول الحق الذي كانوا فيه يمترون!!!
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|