فائدة:
قال في المدارج: غيرة المريد وهي غيرة على وقت فات
؛ فإن الوقت وحي التقضي بطيء الرجوع
، والمريدون هم أرباب الأحوال والعباد أرباب الأوراد والعبادات وهما متلازمان وكل مريدٍ لا يكون عابدًا فزنديق
، وكل عابد لا يكون مريدًا فمُراءٍ
، والوقت عند المريد وقت الإقبال على الله وهو أعز شيءٍ عليه فهو يغار أن ينقضي بدون إقبالٍ على الله
؛ فإن فاته الوقت لا يمكنه استدراكه لأن الوقت الثاني حضر واستحق واجبه ولذلك يقال
: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك
. فمن غفل عن نفسه تصرمت أوقاته وعظم فواته واشتدت حسراته
، فكيف حاله إذا علم مقدار ما أضاع وطلب الرجعى وحيل بينه وبين الاسترجاع
؛ فكيف يرد الأمس في اليوم الجديد ومنع مما يحبه ويرتضيه
، وعلم أن ما اقتناه ليس ينبغي للعقل كما قيل
:
فيا حسراتٍ ما إلى ردِّ مثلها
سبيلٌ ولو ردت لهان التحسرُ
هي الشهوات اللاتِ كانت تحولت
إلى حسراتٍ حين عز التصبرُ
فلو أنها ردت بصبرٍ وقوةٍ
تحولن لذاتٍ وذو اللب يبصرُ
والمقصود أن الواردات سريعة الزوال تمر أسرع من السحاب وينقضي الوقت بما فيه
؛ فلا يعود عليك إلا أثره وحكمه
، فاختر لنفسك ما يعود عليك من وقتك فإنه عائدٌ عليك لا محالة
؛ لهذا يقال
: للسعداء ﴿
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾ [الحاقة
: 24]
، ويقال للأشقياء ﴿
ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ [غافر
: 75][1]
.
فائدة:
قال حاتم الأصم: كنا مع شقيق البلخي ونحن مصافو الترك
، في يوم لا أرى فيه إلا رؤوسًا تندر
، وسيوفًا تقطع
، ورماحًا تقصر
، فقال لي شقيق ونحن بين الصفين
: كيف ترى نفسك يا حاتم
؟ تراه مثله في الليلة التي زفت إليك امرأتك
؟ قلت
: لا والله
! قال
: لكني والله أرى نفسي في هذا اليوم مثله في الليلة التي زفت فيها امرأتي
. قال
: ثم نام بين الصفين ودرقته تحت رأسه
، حتى سمعت غطيطه
، قال حاتم
: ورأيت رجلاً من أصحابنا في ذلك اليوم يبكي
، فقلت
، مالك
؟ قال
: قتل أخي
، قلت
: حظ أخيك صار إلى الله وإلى رضوانه
، قال
: فقال لي
: اسكت
، ما أبكي أسفًا عليه ولا على قتله
، ولكني أبكي أسفًا أن أكون دريت كيف كان صبره لله عند وقوع السيف به
. قال حاتم
: فأخذني في ذلك اليوم تركي فأضجعني للذبح فلم يكن قلبي به مشغولاً
، كان قلبي بالله مشغولاً
، أنظر ماذا يأذن الله له في
، فبينا هو يطلب السكين من جفنته إذ جاءه سهم غائر فذبحه فألقاه عني
.[2]
فائدة:
قال شقيق بن إبراهيم: استتمام صلاح عمل العبد بست خصال
، تضرع دائم
، وخوف من وعيده
، والثاني حسن ظنه بالمسلمين
، والثالث اشتغاله بعيبه لا يتفرغ لعيوب الناس
، والرابع يستر على أخيه عيبه ولا يفشي في الناس عيبه رجاء رجوعه عن المعصية
، واستصلاح ما أفسده من قبل
، والخامس ما اطلع عليه من خسة عملها استعظمها
، والسادسة أن يكون صاحبه عنده مصيب
.[3]
فائدة:
أمر ابن عمر أن يقرأ عليه فواتح البقرة وخواتمها بعد موته
. ذكره الشيخ
.
حديث الحلة: قال علي - رضي الله عنه -
: شققتها بين الفواطم
: بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنت حمزة وأم علي - رضي الله عنه -
.
فائدة:
وقد جاء في الأثر: من لا يستحي من الحلال خفت مؤنته وقل كبرياؤه
، ومن يستحي من الحلال فهو متكبر
. يعني يقدم لمن دخل عليه الميسور ولا يقول أستحي أن أقدم للناس هذا الشيء الرديء
. وكان نبينا لا يدخر موجودًا ولا يتكلف مفقودًا
. اهـ - من كلام الشيخ علي بن عبد الله الصقعبي
.
وقال شقيق
: إذا أصبحت فلا يكون همك في طلب رضا الخلق وسخطهم
، ولا يكون خوفك إلا ما قدمت من الذنوب
، ولا يكون استعدادك إلا للموت
، فإذا كان استعدادك للموت لو جعلت لك الدنيا لم ترغب فيها
.
وقال إبراهيم بن أدهم
: يكتفي من الأحاديث والقيل والقال
، وما كان وما يكون بقول الله تعالى ﴿
اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء
: 14]
، قال شقيق
: قال إبراهيم فمن فهم هذا بقلبه استنار وأشرق وهدي وأيقن إن شاء الله
.[4]
قال شقيق
: طريق الاستقامة لا يترك أمر الله لشدة تنزل به ولا لشيءٍ يقع في يده من الدنيا فلا يعمل بهوى أحد
، ولا يعمل بهوى نفسه
؛ لأن الهوى مذموم بل يعمل بالكتاب والسنة
.
فائدة:
قال حاتم الأصم رحمه الله: تعاهد نفسك في ثلاث مواضع
، إذا علمت فاذكر نظر الله تعالى عليك وإذا تكلمت فاذكر سمع الله تعالى منك وإذا سكت فاذكر علم الله تعالى فيك
. وقال
: لا أدري أيهما أشد على الناس اتقاء العجب
، أو الرياء
، ومثلهما أن يكون معك في البيت كلب عقور وآخر خارج البيت فأيهما أشد عليك
؟ فالداخل العجب والخارج الرياء
؛ فالعجب أشد عليك من الرياء
.[5]
المصدر مجمع الفوائد.