فائدة:
من أراد الآخرة كان الناس منه في راحة
، لا يجزع من ذلها
، ولا ينازعهم في عزها
، هو من نفسه في شغل
، والناس منه في راحة
، فاتق الله وعليك بالسداد
، فإن من مضى إنما قدموا على أعمالهم
، ولم يقدموا على الشرف والصوت والذكر
، فإن الله تعالى أبى إلا عدلا
، أعاننا الله وإياكم على ما خلقنا له
، وبارك لنا ولكم في بقية العمر
.[1]
فائدة:
قال يحيى بن آدم سمعت شريكًا يقول
: سألت إبراهيم بن أدهم عما كان بين علي ومعاوية فبكى
، فندمت على سؤالي إياه
، ثم رفع رأسه فقال
: إنه من عرف نفسه اشتغل بنفسه ومن عرف ربه اشتغل بربه عن غيره
.
فائدة:
سئل إبراهيم بن أدهم
: بم يتم الورع
؟ قال بتسوية كل الخلق من قلبك
، واشتغالك عن عيوبهم بذنبك
، وعليك باللفظ الجميل من قلبٍ ذليل لربٍ جليل
؛ فكر في ذنبك وتب إلى ربك يثبت الورع في قلبك
، واحسم الطمع إلا من ربك
.
قيل لإبراهيم إن فلانًا يتعلم النحو
. فقال
: هو أن يتعلم الصمت أحوج
. ثم قال
: اللهم لا تمقتنا
. ثم قال
: تكلمنا بالعربية فما نكاد نلحن
، ولحنا بالعمل فما نكاد نعرب
.
ثم قال
: ينبغي للعبد أن يصمت أو يتكلم بما ينتفع به
، أو ينفع به من موعظة أو تنبيه أو تخويف أو تحذير
، ثم قال
: مثل لبصر قلبك حضور ملك الموت وأعوانه لقبض روحك
، فانظر كيف تكون
، ومثل له هول المطلع ومساءلة منكر ونكير
، فانظر كيف تكون
، ومثل له القيامة وأهوالها وأفزاعها
، والعرض والحساب والوقوف
، فانظر كيف تكون
، ثم صرخ صرخة وقع مغشيًا عليه
. ص125
.
كتب عمر بن المنهال القرشي إلى إبراهيم بن أدهم وهو بالرملة: أن عظني عظة أحفظها عنك
، فكتب إليه
: أما بعد فإن الحزن على الدنيا طويل
، والموت من الإنسان قريب
، وللنفس منه في كل وقت نصيب
، وللبلى في جسمه دبيب
، فبادر بالعمل قبل أن تنادى بالرحيل
، واجتهد في العمل في دار الممر قبل أن ترحل إلى دار المقر
.
قال إبراهيم بن بشار
: سمعت إبراهيم يقول
: بلغني أن عمر بن عبدالعزيز قال لخالد بن صفوان
: عظني وأوجز
، فقال خالد
: يا أمير المؤمنين إن أقواما غرهم ستر الله وفتنهم حسن الثناء
، فلا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك
، أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين
، وبثناء الناس مسرورين
، وعما افترض الله علينا متخلفين ومقصرين
، وإلى الأهواء مائلين
. قال
: فبكى ثم قال
: أعاذنا الله وإياك من اتباع الهوى
.
قال إبراهيم بن أدهم
: أشد الجهاد جهاد الهوى
، من منع نفسه هواها فقد استراح من الدنيا وبلاها
، وكان محفوظًا ومعافى من أذاها
. وكان يقول
: الهوى يردي وخوف الله يشفي
، وأعلم أن ما يزيل عن قلبك هواك إذا خفت من تعلم أنه يراك
.
وكان يقول
: اذكر ما أنت صائر إليه حق ذكره
، وتفكر فيما مضى من عمرك هل تثق به وترجو النجاة من عذاب ربك
، فإنك إذا كنت كذلك شغلت قلبك بالاهتمام بطريق النجاة عن طريق اللاهين الآمين المطمئنين الذين أتبعوا أنفسهم هواها فأوقعتهم على طريق هلكاتهم لا جرم سوف يعلمون
، وسوف يتأسفون
، وسوف يندمون
: ﴿
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء
: 227]
، [2] ص126
.
فائدة:
وكان السلف يوصون بإتقان العمل وتحسينه دون الإكثار منه
؛ فإن العمل القليل مع التحسين والإتقان أفضل من الكثير مع الغفلة وعدم الإتقان
.
قال بعض السلف
: إن الرجلين ليقومان في الصف وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض
، كم بين من تصعد صلاته لها نور تقول حفظك الله كما حفظتني
، وبين من تلف صلاته كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها وتقول
: ضيعك الله كما ضيعتني
.
قال ابن عباس وغيره
: صلاة ركعتين في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساهٍ
؛ فمن اتقى الله في العمل قبله منه
، ومن لم يتقه فيه لم يقبله منه
، والتقوى في العمل أن يأتي به على وجه إكمال واجباته الظاهرة والباطنة وإن ارتقى إلى الإتيان بآدابه وفضائله كان أكمل كما رئي بعض العلماء المفرطين في النوم فسئل عن حالة فقال
: غفر لي وأعرض عني وعن جماعة من العلماء لم يعملوا بعلمهم
. [3]
فائدة:
كتب إبراهيم بن أدهم إلى بعض إخوانه
: أما بعد فعليك بتقوى الله الذي لا تحل معصيته
، ولا يرجى غيره
، واتق الله
، فإن من اتقى الله - عز وجل - عز وقوي
، وشبع وروي
، ورفع عقله عن الدنيا
، فبدنه منظور بين ظهراني أهل الدنيا
، فقدر حرامها وجانب شهواتها
، وأضر بالحلال الصافي منها إلا ما لابد له من كسرة يشد بها صلبه
، أو ثوب يواري به عورته
، ليس له ثقة ولا رجاء إلا بالله
، فأبدله الله تعالى بذلك زيادة في عقله
، وقوة في قلبه
، وما ذخر له في الآخرة أكثر
، فارفض يا أخي الدنيا فإن حب الدنيا يصم ويعمي
، ويذل الرقاب
، ولا تقل في نفسك غدًا وبعد غد فإنما هلك من هلك بإقامتهم على الأماني حتى جاءهم الحق بغتة وهم غافلون
، فنقلوا على إصرارهم إلى القبور المظلمة الضيقة
، وأسلمهم الأهلون والولد
، فانقطع إلى الله بقلب منيب
، وعزم ليس فيه شك والسلام
. [4]
فائدة:
كان إبراهيم يقول
: حب لقاء الناس من حب الدنيا
، وتركهم من ترك الدنيا
. وكان يقول
: أقلوا من الإخوان والأخلاء
. ويقول
: لم يصدق الله من أحب الشهرة
.
ورئي إبراهيم بن أدهم خارجًا من الجبل
، فقيل من أين
؟ فقال
: من الأنس بالله
- عز وجل.[5]
فائدة:
قال مخلد بن الحسين
: ما انتبهت من الليل إلا وإبراهيم يذكر الله فأغتم
، ثم أتعزى بهذه الآية ﴿
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [المائدة
: 54]
، قال إبراهيم بن أدهم عن ابن عجلان
: ليس شيء أشد على إبليس من عالم حليم إن تكلم تكلم بعلم
، وإن سكت سكت بحلم
، وقال إبليس
: لسكوته أشد عليه من كلامه
. ص128
.
فائدة:
قال عبدالله بن مسعود
: نعم كنز الصعلوك البقرة وآل عمران يقوم بهما في آخر الليل
.[6]
فائدة:
كان الحسن إذا قرأ هذه الآية ﴿
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ [فصلت
: 30]
، يقول اللهم أنت ربنا فرزقنا الاستقامة
. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما يقول
: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"
.
قال الراوي
: بلغني أن إبراهيم بن أدهم رأى في المنام كأن جبريل عليه السلام نزل إلى الأرض فقال له لم نزلت إلى الأرض
؟ فقال
: لأكتب المحبين
. قال
: مثل من
؟ قال
: مثل مالك بن دينار
، وثابت البناني
، وأيوب السختياني
، وعد جماعاتٍ كثيرة
. قال
: أنا منهم
؟ قال
: لا
. قلت فإذا كتبتهم فاكتب تحتهم
: محبٌ للمحبين
. قال
: فنزل الوحي
: اكتبه أولهم
.[7]
فائدة:
قال إبراهيم بن أدهم
: رأيت في النوم كأن قائلاً يقول لي
: أو يحسن بالحر المريد أن يتذلل للعبيد وهو يجد عند مولاه ما يريد
.
قال ابن مسهر
: قال إبراهيم
: محال أن تواليه ولا يواليك
.
المصدر: مجمع الفوائد