هذه الكلمات الآسرة .. ﴿وما تدري نفس ماذا تكسبُ غدا﴾ توحي بأن المستقبل غامض وملتبس وغير واضح ،إلا أنها مليئة كذلك بالأمل والظن الجميل.. لاسيما خاتمتها الحانية.. ﴿إن الله عليم خبير﴾.. هي مجمّة لفؤاد المحزون..
في معنى الصديق والصداقة.. ﴿حيران.. له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى ائتنا﴾.. لم يتركوه في حيرته.. ولم يتخلوا عنه وهو يبتعد.. هكذا فليكن الأصدقاء.
الوحشة التي بداخلنا أحيانا تحتاج سعةً من لدنهﷻ ﴿فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته﴾
معيّتهﷻ ﴿إني معكم﴾
تحتاج معنى تستند إليه وحلما تتشبت به ﴿وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم)
تحتاج نفحةً من الحب ﴿إني أنا أخوك﴾
وعينا تنظر بإشفاق ﴿فَبَصُرت به عن جُنُبٍ﴾
ضيق الكهف؛ كان سبيلهم للسعة: ؟(ينشر لكم ربكم من رحمته) وضيق البئر؛ كان طريقا للتمكين.(على خزائن الأرض)
. وضيق الصدر: (ويضيق صدري) كانت بعده النجاة..
أَنْظرُ لرمزية هذه الآيات "السعادة في أن تَعلمَ أن الطريق ليس ضيّقا، وإنما أن الضِيقَ هو الطريقُ."
"الحنان هبة من الله.. الحنان منحة.. القلب الحنون ليس ضعفا .. ﴿وحنانا "من لّدُنا"﴾"
وكم من فاقد للشّيء يُعطيه.. وأكثر.. ﴿فأما اليتيمَ؛ فلا تَقْهر﴾..
البلاد التي سكَنتُها وسكَنَتْني.. ثم غادرتها.. الأشخاص الذين رافَقتُهم، أحبَبتُهم وأحبُّوني.. ثم افتَرقْنا.. الأيام التي كانت جزءا مني.. ولم يبقَ منها إلا الحنين.. في كل تلك المرات كان الله يُعلّمني.. كنتُ أرى فيها رأيَ العينِ قولَه ﷻ: ﴿كلّ من عليها فان • ويبقى وجهُ ربك﴾..
مع التقَدّم في العمر.. وكثرة المواقف؛ تفقد بعضُ الأشياء بريقَها، وينصرف قلبُك عنها: ﴿إنكم رضِيتم بالقعود أوّل مرة﴾.. وهناك ما تبقى مكانته ثابتة في نفسك، لا تتغيّر: ﴿وما بدلوا تبديلا﴾.. بينما يزداد تعلّقك بأشياء أخرى، وتشرق في نفسك أكثر: ﴿قالت امرأة العزيز: الآن حصحصَ الحق﴾.
أُنزِلَ القرآنُ مُفَرّقا.. ﴿وقرآنا فرَقناه﴾.. على مدى سنين طويلة.. ﴿لولا نُزّل عليه القرآن جملة واحدة؟ كذلك لنثبّتَ به فؤادَك﴾.. وكأن هذه "الفكرة" توحي بأن الوصول للقناعات قد يطول.. أن الحياةَ عمليةُ تَعَلّم مستمر.. أن تأخذ وقتك في الطريق.. وألا تستعجل الوصول..
عبّرَ القرآن عن الشّفعاء بالجمع: ﴿من شافعين﴾.. ثم ثَنّى بالصديق بصيغة المفرد، ولم يَقُلْ -مثلا- "أصدقاء": ﴿ولا صديق حميم﴾؛ قيل: "لكثرة الشفعاء في العادة، وقلة الصديق؛ لأن الصديقَ الصادق في ودادك قليلٌ"، وربما أُضيفُ إلى ذلك.. أنه ربّما يجتمعُ الكلّ.. في شخص واحد.. صديق حميم..
بعضُ الأسئلة.. ربما من الأفضل "لك" ألا تعرفَ إجابَتَها؛ تأمّل حكمةَ الإمساك عن البيان الشامل في قول عيسى: (ولأبيّنَ لكم "بعض" الذي تختلفون فيه).. هناك إجابات لن تكتمل.. وجمال بعض الأسئلة في بقائها "أسئلة"؛ لم يَعِد الخضرُ موسى إلا بأن يكشف طرفا من ذلك السر: (أحدث لك "منه" ذكرا)..
بديعة هي نظرة القرآن المتوازنة للنفس البشرية؛ تأمل كيف أنه أباح التعريض للمعتدة: ﴿علم الله أنكم ستذكرونهن﴾؛ فذكر "العلم" كناية عن "الإذن" كما لاحظ ابن عاشور.. ويكون ذلك بشكل متزن: ﴿أن تقولوا قولا معروفا﴾.. إذ إن كتمان المشاعر؛ تكليفٌ بما لا يطاق، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
أحياناً يكون أثرُ الأشياءالعابرة، والأشخاص العابرون على حياتك كبيرا كبيرا جدا ! ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ ﴾.. أنت لا تعرف أين يضعُ الله سرّه..
أن تنظُرَ لكلّ ما هو جميلٌ.. أن تلتَقط الجانبَ المضيء.. أن تستخرج أفضلَ ما في الناس..
﴿أولئكَ الذينَ نتَقبّلُ عنهم (أحسنَ) ما عملوا﴾..
إنه لقرآنٌ كريمٌ.. يُعطيك الكثيرَ ولو أعطيته القليل: ﴿اقرأ، وربُّك الأكرم﴾..
يكادُ يضيءُ لك من قبل أن تشتغلَ به: ﴿يكاد زيتها يضيءُ ولو لم تَمسسه نار﴾..
"وَإِنْ بَدَتْ بعضُ أعمالنا آثمَةً في أعين الناس.. ألهمنا الإيمانَ بأنها عندكَ طاهرةٌ نقيّةٌ يا الله.."
قد يكونُ من الحكْمة أحيانا أن لا تُغْلقَ جميعَ الأبواب.. فإنك لا تَدري كيف تَتَبدّل الأمور..
﴿عسى اللهُ أن يجعلَ بينكُم وبين الذين عاديتم منهم مَودّةً﴾..
جَاءَ بعد آيات الإفك قولُه ﷻ: ﴿ولولا فضلُ الله عليكم ورحمته..﴾
أنت في فضل عظيم إن لم تَتكلّم في أعراض الناس.. إن لم تُسِئ الظنَّ..
أنت في نعمة عظيمة إن لم تكسر قلبا.. إن لم تخذلْ أحدا.. إن لم تَجرح رُوحا..
وكلُّ ضيقٍ بكَ يتَّسِعُ..
﴿فأْووا إلى الكهفِ.. ينشُر لكم ربُّكم من رحمته﴾..
﴿الذين يُنفقون في السّراء والضراء﴾
الإنفاقُ في الضراء: أن تبذل وأنت محتاج.. أنت تبتسم وأنت حزين.. أن تمسح دموع غيرك ودموعك في عينيك.. أن تسلي عن المحزون وأنت أحوج منه.. أن تُشرق بالنُّور رغم كلّ شيء..
كثيرٌ ممن تلتقيهم في حياتك عابرون.. ستراهم مرةً واحدة.. ولن يكون هناك لقاءٌ ثان.. ف
احرص على ترك أثر جميل، وشعور صادق..
وفي الحديث: "أَحبُّ الأعمالِ إلى الله ﷻ سرورٌ تُدخلُه على مسلمٍ."
لمّا نظرتُ في القرآن؛ أراني الله ﷻ أن كُلَّ آيةٍ منهُ تُبْقِي الضّميرَ حيّا..
المَعْرفة تَفيضُ بالجَمال والدّهشة.. والحقُّ آسر.. ونحن لا نَملكُ مشاعرَنا حين يُلامِسُ الإلهامُ قلوبَنا..
﴿وإذا سَمعوا ما أُنزل إلى الرسول؛ ترى أعينَهم تفيضُ من الدّمع مما عرَفوا من الحقّ﴾..
ويَبْقى أنّ من أَصدق وأبلغ كلمات التّسليم والرضا بالقضاء؛ قولُ الحبيب ﷺ: "ولا نَقولُ إلا ما يُرضِي ربَّنا.."
حينَ يكون التَّديُّن مزيجا من الحَنان والشُّعور والأخلاق.
. ﴿وحنانا من لّدنا، وزكاةً، وكان تقيّا • وبَرّا بوالديه﴾..
قَدَّمَ الله ﷻ حُبَّه للمؤمنين على مَحبّتهم له: ﴿يُحبّهم ويُحبّونه﴾؛
كُن أنت المُبادر.. بادِر أنت بالحب.. بالعطاء.. بصنائع المعروف..
أشرِق أنت أولا؛ يشرق لك ما حولك..
يرى الشيخُ محمد أكرم النّدوي أنّ المرادَ بقوله تعالى: ﴿وإذا النُّفوسُ زُوِّجَتْ﴾؛ هو أن الله ﷻ يَجْمع الإنسانَ بشريكه الذي يُناسبه في الآخرَة. وفي ذلك أبلغُ العزاء لمن لم يجدْ شريكَ الرُّوح الذي يَستحقّه في هذه الحياة.. وما عند الله خيرٌ وأبقى..
جَمالُ الرُّوح ﴿ولأَمةٌ مؤمنة﴾؛ قبلَ جمال الظاهر ﴿خيرٌ من مشركة، ولو أعجبَتْكم﴾.. وعَالَمُ المعنى ﴿ما كذَبَ الفؤادُ﴾؛ قبل المُشاهَد والمحسوس ﴿ما رَأَى﴾.. وتوهجُّ القَلبِ ﴿وجعلنا له نورا﴾؛ قبل حركة الجوارح ﴿يمشي به﴾..
ثمّ يأتيك في الوقت المناسب.. يسعى إليك.. ولو من بعيد.. ومن حيثُ لا تَحْتسِب..
﴿وجاءَ رجلٌ من أقصا المدينة يسعى؛ قال: يا موسى..﴾..
عَلَّمني القرآنُ أن جبرَ قلوب الناس.. والتّلَطُّف بمشاعرهم.. والتّرفّق بعواطفهم؛ من أجَلّ ما يُتَقرّبُ به إلى الله ﷻ ﴿ذلك أدنى أنْ تَقَرَّ أعينُهنّ، ولا يحْزَنَّ، ويرضَيْن﴾..
تزدادُ قناعتي أن الإنسانَ كلما ترَقّى في العلم..
ازدادت لديه القدرةُ على التماس الأعذار للنّاس وتَفَهُّمهم..
وتلك من أعظم عطايا التَّعلم.
أنظرُ للخلف.. ألتفت للوراء.. أتأمل الأحداث..
السنين.. المواقف.. مفترق الطريق.. الذكريات؛ فلا أجد إلا..
﴿فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا..﴾..
بعضُ النّاس لا عوض عنهم.. ولا يُمكن لأحد أنْ يأخذ مكانهم..
﴿وحَرَّمْنا عليه المراضِعَ من قبلُ﴾..
القرآن العظيم لا يكتفي بأن يُوجّهَك لحُسن الخُلق [=﴿ولو كنتَ فظّا﴾]، بل يريدُ منك قدرا زائدا على حسن الخلق؛ وهو أن تكون رقيقَ القلب، مرهفَ المشاعر [=﴿غليظ القلب﴾].
حينَ نُظهِر الاهتمامَ.. ونُظْهر الحرصَ لمن نُحبّ؛ نحن بذلك نُشبع حاجةً في أعماق النفس.. حاجة للبذل والعطاء.. حاجة للعناية والشّعور بالآخر.. ﴿إلا حاجةً في نَفْس يعقوب قضاها﴾..
وقد يبعثُ الله لك من يأخذ بقلبك.. فتأوي إليه.. ﴿آوى إليه أخاه﴾.. مَنْ يكونُ وجودُه سببا لئلا تحزن.. ﴿إنّي أنا أخوك؛ فلا تبتئس﴾.. من يكون وجوده كفيلا بأن تَنسى ما مَضى من آلام السّنين.
. ﴿فلا تبتئِس بما كانوا يعملون﴾..
﴿وإذا خاطبَهم الجاهلون؛ قالوا سلاما﴾..
لا يتَوقّفُون كثيرا بل يَنْصَرفون بأدب؛ لأنّ في الحياة الكثيرَ من الجَمال..
الكثير ممَّا يستحقّ أن تلتفتَ إليه.. وتعيشَ لأجله..
شَتّان بين مَنْ لم يَخُض التجربة، واكتفى بالتّنظير، وبين مَنْ عاش الموقفَ بكلّيته، وخاض التجربةَ بتفاصيلها.. ﴿قالت: فذلكُنّ الذي لمتُنّني فيه﴾.
يُحبّك حقّا مَن يُضَحّي لأجلك.. ﴿أنا راودتُه عن نفسه، وإنه لمن الصَّادقين﴾.. يُحبّك حقّا من يحرص على أن تَفْهَمه.. وعلى أن تكون صورتُه في عينيكَ طاهرةً نقيّةً ..﴿ذلك ليَعْلَمَ أنّي لم أَخُنْه بالغيب﴾..
. 1﴿ولتعرفنَّهُم في لحن القول [والله يعلم أعمالكم]﴾.
٢. ﴿فامتحنوهن [الله أعلم بإيمانهن]﴾.
٣. ﴿.. من فتياتكم المؤمنات [والله أعلم بإيمانكم]﴾. .
هذه الآياتُ -فيما أحسب- تعالجُ "وَهْمَ المعرفة"؛
إنّها تنتقد -بالإشارة- "الوثوقية العالية"، وتلمح لإشكالية القطع واليقين.
وكان دائما علينا أن نسعى ونحاولَ ما استطعنا .. وأما النتائج فالله كفيلٌ بها ..
تلك النتائج التي قد لا نرى ثمارها في حياتنا ..
ولكنها قطعا سَتُرى هناكَ .. فما كان الله ليضيع إيمانَنا ..