بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرِّ نفوسنا.
عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده عبدمناف، فأبو أمية عبدشمس وأبو عبدالمطلب هاشم، وعبدشمس وهاشم أخوان أبوهما عبد مناف.
قال ابن إسحاق: وأسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وزوَّجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقية، فلما آذى المشركون المسلمين هاجر عثمان رضي الله عنه مع زوجته إلى بلاد الحبشة، فكان أول من هاجر، وقد هاجر إليها مع زوجته رقية رضي الله عنها، فدعا لهما الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: صحبهما الله، ويعد عثمان رضي الله عنه أول من هاجر بأهله بعد النبي لوط عليه السلام، ثم رجع إلى مكة قبل الهجرة النبوية إلى المدينة، فهو إذًا صاحب الهجرتين.
ومن مناقب عثمان رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم زوَّجه من ابنته رقية، ولَمَّا توفِّيت رقية زوجه الرسول صلى الله عليه وسلم من ابنته الثانية أم كلثوم؛ لذلك لُقِّب بذي النورين.
وقيل: إنه لم يجمع أحد ابنتي نبي قط من ولادة آدم عليه السلام إلى يوم القيامة إلا عثمان رضي الله عنه.
وقد يكون من أسباب هذا التفضيل أن عثمان رضي الله عنه كان يتميز من بين الصحابة بشدة حيائه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا كاشفًا عن ساقيه، فاستأذن أبو بكر له وهو على تلك الحالة فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك، ثم استأذن عثمان فأذن له، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اضطجاعه)، وسوى ثيابه، فتحدث، فلما خرج قالت عائشة رضي الله عنها قلت: يا رسول الله، دخل أبو بكر فلم تباله، ثم دخل عمر فلم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسوَّيت ثيابك، فقال: ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة، وهذا ما أخرجه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها بأنه صلى الله عليه وسلم جمع ثيابه حين دخل عثمان، وقال: ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة.
عن عبدالله بن شداد قال: رأيت عثمان يخطب يوم الجمعة وعليه ثوب قيمته أربعة دراهم أو خمسة دراهم، وإنه يومئذ لأمير المؤمنين.
وعن شرحبيل بن مسلم أن عثمان رضي الله عنه كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل بيته (وهو خليفة)، فيأكل (طعام الفقراء) الخل والزيت[1].
ويغضب عثمان رضي الله عنه يومًا على خادم له، فيفرك أذنه حتى يوجعه، ثم سرعان ما يندم على ذلك، فيدعو خادمه ويأمره أن يقتص منه، فيفرك أذنه ويأبى الخادم، ويولِّي مدبرًا، لكن يأمره في حزم، فيطيع أمره، فيفرك الغلام أذن الخليفة، ويخاطبه الخليفة: اشدُد يا غلام، فإن قصاص الدنيا أرحم من قصاص الآخرة.
وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: ((جاء عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بألف دينار في كمِّه حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره، فقال عبد الرحمن: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره ويقول: ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم – مرَّتين-)).
وقد جهز عثمان رضي الله عنه جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيرًا بأحلاسها وأقتابها، وأتم الألف بخمسين فرسًا.
وبعد أن هاجر المسلمون إلى المدينة احتاجوا إلى الماء، فاشترى عثمان رضي الله عنه بئر رومة بأربعين ألف درهم، وجعلها وقفًا على المسلمين وكان الدرهم من فضة.
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عثمان رضي الله عنه بأنه سيتعرض للابتلاء:
فعَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقُلْتُ: لَأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا، قَالَ: فَجَاءَ المَسْجِدَ فَسَأَلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: خَرَجَ وَوَجَّهَ هَا هُنَا، فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ البَابِ، وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ فَتَوَضَّأَ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلَّاهُمَا فِي البِئْرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ البَابِ، فَقُلْتُ لَأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليَوْمَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ البَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ، فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ ثُمَّ ذَهَبْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ؟ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ. فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فِي القُفِّ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي البِئْرِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ، وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِي، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلاَنٍ خَيْرًا - يُرِيدُ أَخَاهُ - يَأْتِ بِهِ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ البَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ؟ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَجِئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ، وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ، فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي القُفِّ عَنْ يَسَارِهِ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي البِئْرِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلاَنٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ البَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَه: ادْخُلْ، وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ...)، وقد وقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.