سرية سيف البحر، وبدء الأمر بالقتال
خرج المسلمون من ديارهم وأموالهم وأراضيهم في مكة، وهاجروا إلى المدينة المنورة، وتبعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه أبي بكر الصديق، وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بناء مجتمع جديد يقوم على الأخوة في الدين، فآخى بين المهاجرين والأنصار، ووضع أول وثيقة للتحالف الإسلامي بين المؤمنين، أزاح بها كل ما كان موجودًا قديمًا من نعرات الجاهلية وعصبيات العرب القديمة.
ولم يكتف رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ فقام بتنظيم العلاقات بين المسلمين بالمدينة وغير المسلمين بها، وكان أقرب من يجاور المسلمين بالمدينة بنو يهود، فعقد معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاهدة ترك لهم مطلق الحرية في الدين والمال، والنصرة من الجانبين على من حارب أي من طرفي المعاهدة، وأعطاهم رسول الله عهده وميثاقه على ذلك.
ولكن قريش لم تكن لتسكت على تلك الدولة الوليدة التي أنشأها المسلمون في المدينة، ولم تكن لتمتنع عن عدوانها واستفزازها وتخويفها للمسلمين، بل كانوا يرسلون الرسائل إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنهم لن يتركونهم يهنأوا بتلك الدولة وأنهم سيستأصلون شأفتهم عن قريب، وإن بعد العهد!
ذكرت كتب السيرة أن قريشًا بعثت إلى عبدالله بن أبي بن سلول، بصفته كان من ؤروس المدينة وسادتها قبل الإسلام تقول له: "إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم".
فكان لابد من رد على تلك الاستفزازات المتوصلة لقريش، والتهديدات التي كانت تزعزع أركان المسلمين بالمدينة؛ وذلك لإشعار مشركي قريش بانتهاء مرحلة الاستضعاف وبداية عهد جديد من عزة الإسلام، وهنا نزل الإذن الإلهي بالقتال، قال تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39].
وكان هذا الإذن الرباني لإزاحة الباطل وإقامة شعائر الله، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].
ولتنفيذ هذا الإذن بدأ المسلمون بتنفيذ مجموعة من الاستطلاعات والدوريات لتأمين طرق المدينة، ومناوأة قريش في رحلاتها التجارية، وأيضًا لعقد المعاهدات مع القبائل المتناثرة في شبه الجزيرة العربية، والقريبة من المدينة، ولإشعار قريش بقوة المسلمين.
وكانت أولى هذه السرايا الاستطلاعية سرية "سيف البحر" في شهر رمضان من السنة الأولى من الهجرة، الموافق مارس سنة 623م.
وسيف البحر، يعني: ساحل البحر بكسر السين وليس بفتحه.
وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذه الغزوة سيدنا حمزة بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - في ثلاثين رجلًا من المهاجرين، يعترضون تجارة لقريش جاءت من الشام، كان عليها أبوجهل بن هشام في ثلاثمائة رجل من المشركين!
وقد بلغ حمزة وأصحابه سيف البحر من ناحية العيص - مكان بين ينبع والمروة ناحية البحر الأحمر - فالتفوا واصطفوا للقتال، لكن لم يحدث قتال فعلي، فقد حال بين الفريقين مجدي بن عمرو الجهني، وكان حليفًا للفريقين جميعًا، فحجز بينهم ولم يقتتلوا.
وكان لواء حمزة أول لواء عقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبيض اللون، وكان حامله مرثد كناز بن حصين الغنوي.
ويخلط المؤرخون بين هذه السرية وسرية "الخبط" التي كان عليها أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -، والتي أكلوا فيها أوراق الشجر من شدة الجوع، ولكن الأرجح أن سرية أبي عبيدة كانت في سنة 6 هجرية قبل صلح الحديبية.
شارك في الإعداد: محمد مصطفى حميدة، ومصطفى عبدالباقي
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|