أسباب غزوة بدر
كانت معركة بدر من معارك الإسلام الفاصلة التي فرق الله فيها بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، ولا شك أن أي معركة في التاريخ لا بد لها من أسباب ومقدمات، وقد سميت الغزوة بغزوة بدر باسم المكان الذي وقعت فيه المعركة[1].
ويمكن تلخيص أسباب غزوة بدر بالآتي:
١- وجود حق وباطل يتمثل في معسكرين، حق أتى به محمد - صلى الله عليه وسلم - من ربه، يدعوهم إليه، وترك ما عداه، وباطل تتمسك به قريش، من عادات الآباء وتقاليدهم، وإلى هذا أشار الله تعالى بقوله: ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 7]، فلا بد من الصراع والمواجهة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل.
٢- لا شك أن الأنصار قدموا الكثير لإخوانهم من المهاجرين، وأعانوهم بأموالهم وأنفسهم، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين معه كانوا على درجة من التعفف لا يقابلها إلا كرم الأنصار، ولذا كانت أنظار الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه تتطلع إلى تلك التجارات التي كانت في الآونة الأخيرة تجهز بأموال المسلمين المهاجرين التي خلفوها في مكة، ولم يستطيعوا استصحابها نظرا لظروف سفرهم السرية.
إن دور المهاجرين بمكة تركت مغلقة ليس فيها ساكن، كدار بني مظعون من بني جمح، ودار بني جحش بن رئاب، ودار بني البكير، وقد وجد طغاة مكة في ذلك فرصة لهم في استلاب ما فيها، بل إن أبا سفيان عدا على دار بني جحش فباعها من عمرو بن علقمة، وهكذا كانت أموال المسلمين بعض رأس المال في تجارة قريش، فكان في أخذها استعادة لحق مسلوب، وأيضاً فيه إضعاف للمشركين اقتصادياً.
٣- وجود الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وهم قوة في مكان تمر عليه قوافل قريش إلى الشام، ففي ذلك خطر يهدد تجارتهم وحياتهم.
٤- إرسال الرسول - صلى الله عليه وسلم - سراياه، وخروجه بنفسه، وخاصة تلك التي أرسلها إلى نخلة بين مكة والطائف، أثارت قريش كثيراً ضده.
٥- أن الأنصار آووا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في المدينة، وفتحوا صدورهم وبلادهم وأموالهم، وهذا أزعج قريشاً؛ لأن في ذلك تمكينًا للخطر الذي تعتقد قريش أنه يهددها ويزيل عاداتها وسلطانها، فرأت أنه لا بد من الوقوف في وجه هذا التجمع الجديد بأي وسيلة، ولذا حنقت أول ما حنقت على الأنصار[2].
روى البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه حدث عن سعد بن معاذ، وجاء في آخره: فقال أبو جهل لسعد: ألا أراك تطوف بمكة آمنًا وقد آويتم الصباة[3]، وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً. فقال له سعد - ورفع صوته عليه -: أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه، طريقك على المدينة[4]. والذي هدد به سعد هو الذي حدث فيما بعد، وتحقق خوف المشركين، ووقعت قريش فيما كانت تخشى.
وروى أبو داود في سننه من حديث عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن كفار قريش كتبوا إلى ابن أُبي ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس والخزرج، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم، فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان اجتمعوا لقتال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيهم، فقال: "لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم"، فلما سمعوا ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا[5]، الحديث.
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قد ظلوا على غاية من التيقظ والتربص بكل حركة من حركات قريش التجارية والعسكرية.
قال ابن إسحاق: ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلاً من الشام في عير لقريش عظيمة، فيها أموال لقريش، وتجارة من تجاراتهم فيها ثلاثون رجلاً من قريش، أو أربعون منهم: مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وعمرو بن العاص بن وائل[6].
روى ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس أنه قال: لما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم، وقال: "هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعل الله ينفلكموها" فانتدب الناس، فخف بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يلقى حرباً، وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان، تخوفاً على أمر الناس، حتى أصاب خبراً من بعض الركبان أن محمداً قد استنفر أصحابه لك ولعيرك. فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمداً قد عرض لنا في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة[7].
روى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بُسَيْسَة[8] عينًا[9]، ينظر ما صنعت عير أبي سفيان[10]، فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه، قال: فحدثه الحديث. قال: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتكلم فقال: "إن لنا طلبة[11]. فمن كان ظهره[12] حاضراً فليركب معنا"، فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم، في علو المدينة. فقال: "لا إلا من كان ظهره حاضراً"، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى سبق المشركين إلى بدر[13]، الحديث.
قال تعالى: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 5-8].
روى البخاري في صحيحه من حديث عبدالله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك - رضي الله عنه - يقول: لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب أحد تخلف عنها، إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد[14].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|