حدث في السنة الأولى من الهجرة (7)
الحدثان الثامن والتاسع عشر خلال هذه السنة
الحديث الثامن عشر:
وفي ذي القعدة من هذه السنة: كانت سرية سعد بن أبي وقاصٍ - رضى الله عنه - إلى الخرَّار.
الشرح:
ثم بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن أبي وقاص إلى الخرَّار في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر، وعقد له لواءً أبيض، وحمله المقداد بن عمر، وكانوا عشرين راكبًا يعترضون عيرًا لقريش، وعهد أن لا يجاوز الخرَّار، فخرجوا على أقدامهم فكانوا يكمنون بالنهار، ويسيرون بالليل حتى صبّحوا المكان صبيحة خمس، فوجدوا العير قد مرت بالأمس[1].
الحديث التاسع عشر:
وفي ذي القعدة من هذه السنة: آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار.
الشرح:
ثم آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلاً، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة، يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله - عز وجل -: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾ [الأحزاب: 6] ردَّ التوارث إلى الرحم دون عقد الإخوَّة[2].
وعَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: حَالَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَقُرَيْشٍ فِي دَارِي الَّتِي بِالْمَدِينَةِ[3].
وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَتْ الْأَنْصَارُ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ النَّخْلَ، قَالَ: لَا، قَالَ: يَكْفُونَنَا الْمَئُونَةَ وَيُشْرِكُونَنَا فِي الثمْرِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا[4].
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - آخَى بَيْنَ أبي عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ، وَبَيْنَ أبي طَلْحَةَ[5].
﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [ الحشر: 9].
عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قَالَ: لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ عبد الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ وَسَعْدِ بن الرَّبِيعِ قَالَ لِعبد الرَّحْمَنِ: إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا فَأَقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَسَمِّهَا لِي أُطَلِّقْهَا فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا، قَالَ: بَارَكَ الله لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، أَيْنَ سُوقُكُمْ؟ فَدَلُّوهُ عَلَى سُوقِ بني قَيْنُقَاعَ فَمَا انْقَلَبَ إِلَّا وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ[6]، ثُمَّ جَاءَ يَوْمًا وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْيَمْ"، قَالَ: تَزَوَّجْتُ، قَالَ: "كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟" قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ[7].
فهذا الموقف من الصحابي الجليل سعد بن الربيع يوضح حجم الحب والمودة الذي كان بين الأنصار وبين إخوانهم الذين هاجروا إليهم.
وآخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أبي بكر - رضى الله عنه - وخارجة بن زيد، وبين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك، وبين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك، وبين سعيد بن زيد وأبي بن كعب، وبين عثمان بن عفان وأوس بن ثابت، وغيرهم[8].
(الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|