العشرة المبشرون بالجنة
الحمد لله، أما بعد:
فخير الوصايا هي وصية الله للأولين والآخرين، للسابقين واللاحقين: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]، فالزموا عباد الله وصية الله، فالتقوى خير مغنم، وخير عاقبة ومكسب.
أيها المسلمون، خير جيل وخير قرن، وأناس لن يتكرر مثلهم أولئك هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم، الصحابة هم صفوة وأفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين، ولهم فضل على كل مسلم ومؤمن؛ قال ابن تيمية: "فكل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة من الإيمان والإسلام والقرآن والعلم والمعارف والعبادات، ودخول الجنة والنجاة من النار، وانتصارهم على الكفار، وعلو كلمة الله عز وجل - فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة رضي الله عنهم، الذين بلغوا الدين، وجاهدوا في سبيل الله، وكل مؤمن آمن بالله فللصحابة رضي الله عنهم عليه فضلٌ إلى يوم القيامة".
عباد الله، الصحابة في الجنة، وهم على عُلوِّ قدرهم وسموهم، إلا أنهم في الفضل على مراتب، وأفضلهم وأعلاهم رُتبة ومنزلة العشرة المبشرون بالجنة، وأفضل العشرة الخلفاء الأربعة قال الذهبي: "العشرة المبشرون بالجنة أفضل قريش، وأفضل السابقين المهاجرين، وأفضل البدريين وأفضل أصحاب الشجرة، وسادة الأمة في الدنيا والآخرة"، روى الترمذي وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة".
الله أكبر، يا لها من بشرى، أحياء يمشون على الأرض يأتيهم الخبر اليقين أنهم في الجنة، فلله ما أسعد قلوبهم بتلك البشرى، يا ترى كيف كانت مشاعر العشرة وهم يُبشَّرون بدار الخلود والنعيم المقيم؟! أي شرف نالوه، وأي فوزٍ حقَّقوه، وأي فرح سيطر على مشاعرهم؟ تحققت لهم أمنية كل مسلم يتمناها بعد موته، فكيف بهم وقد حققوا أمنيتهم قبل موتهم، اللهم ارزقنا جوار العشرة بالجنة.
أيها الناس، إليكم موجزًا عن سِيَر العشرة المبشرين بالجنة، وملخصًا من أنبائهم العطرة، فلقد سطروا سيرًا وقصصًا يطول مقام ذكرها، لكن إليكم إشارات وعبارات من محاسنهم تُحيي ذكرهم الحسن، وتُحفزنا على الاقتداء بهم.
أول العشرة المبشرين بالجنة أبو بكر الصديق: عبدالله بن عثمان سيد من سادات قريش، خير رجل بعد الأنبياء، أحب الرجال إلى رسول الله، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مِن أمنِّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا غير ربي، لاتخذتُ أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته"؛ متفق عليه، وقد أسلَم على يديه خمسة من المبشرين بالجنة.
ثاني العشرة المبشرين بالجنة: عمر بن الخطاب أبو حفص الفاروق، أمير المؤمنين، أعز الله بإسلامه المسلمين، الملهم المحدِّث، وقاف عند كتاب الله، القوي في دين الله، إذا رآه الشيطان هرب منه هيبة من عمر، هو أول من وضع الدواوين وأول من كتب التاريخ للمسلمين، وفتح كثير من البلدان وانتشر الإسلام في عهده، عابد قانت كثير الصلاة في الليل، ويحب الصلاة ويأمر بها، ويقول: "لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، نقش خاتمه: كفى بالموت واعظًا؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن إسلام عمر كان عزًّا، وإن هجرته كانت فتحًا ونصرًا، وإن أمارته كانت رحمة.
ثالث العشرة المبشرين بالجنة: عثمان بن عفان أبو عمر، ويقال: أبو عبدالله، ذو النورين وصاحب الهجرتين، الغني السخي، بذل ماله نصرةً لدين الله، أول مَن وسَّع الحرمين، وفي عهده أتَمَّ جمع القرآن الكريم، كان ملازمًا للقرآن؛ يقول: إني لأكره أن يأتي عليَّ يومٌ لا أنظُر فيه إلى عهد الله يعني المصحف، رجل حيي تستحيي منه الملائكة.
رابع العشرة المبشرين بالجنة: علي بن أبي طالب أبو السبطين الحسن والحسين، ابن عم النبي وصهره، وأحد الشجعان الأبطال، كثير البكاء والعبرة، يعظم أهل الدين ويقرب المساكين، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مني وأنا منك"؛ رواه ابن حبان.
عباد الله، وخامس العشرة: طلحة بن عبيدالله، وكان يقول له: طلحة الخير، وطلحة الجود، وطلحة الفياض، أبلى بلاءً حسنًا يوم أُحد، وقى النبي بظهره من سهام المشركين حتى أصبح ظهره مثل ظهر القنفذ من كثرة ما غُرس فيه من السهام، وشلت يده من شدة مدافعته عن النبي، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أوجب طلحة"؛ أي: وجبت له الجنة، وكان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد، قال: "ذاك كله يوم طلحة".
سادس العشرة: الزبير بن العوام، ذلكم البطل المقدام، والفارس الهمام، والصائم القوام، حواري خير الأنام، ابن عمة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأول من سلَّ سيفه في سبيل الله، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "فداك أبي وأمي" مرتين يوم أحد ويوم الخندق، لقد تحمل الزبير في سبيل الله ما تحمل حتى لم يبقَ عضو من أعضائه إلا وقد جرح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عنه عمر رضي الله عنه: "الزبير ركن من أركان الدين".
سابع العشرة المبشرين بالجنة: عبدالرحمن بن عوف، صاحب الصدقات والبر الإحسان، صلى إمامًا بالنبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر في تبوك، قال عمر رضي الله عنه: "عبدالرحمن سيد من سادات المسلمين"؛ قال الذهبي: "كان أهل المدينة عيالًا على عبدالرحمن بن عوف، ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دَينهم، ويصل ثلثًا"، وصفه الذهبي بقوله: "الغني الشاكر".
تاسع العشرة المبشرين بالجنة: سعد بن أبي وقاص، مستجاب الدعوة، كان سعد راميًا لا يخطئ، وهو أول من رمى سهمًا في سبيل الله، وهو قائد معركة القادسية وفاتح مدائن كسرى، ومما يحمد لسعد أنه اعتزل الفتنة التي وقعت بين المسلمين في زمنه حين سُئل ما يمنعك من القتال؟ قال: حتى تأتوني بسيف يعرف المؤمن من الكافر.
تاسع العشرة المبشرين بالجنة: سعيد بن زيد، زوجته فاطمة أخت عمر بن الخطاب، وبسببها كان إسلام عمر، كان مجاب الدعوة.
عاشر العشرة المبشرين بالجنة: أبو عبيدة عامر بن الجراح، قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل أبو عبيدة"، وقال عنه: "إن لكل أمة أمينًا، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح"، كان أبو عبيدة محمود السيرة، طيب السريرة.
فرضي الله عن العشرة وعن صحابة رسوله، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
عباد الله، قلت ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو أهل التقوى وأهل المغفرة.
♦ ♦ ♦
الحمد لله، لا عز لنا إلا بطاعته، أما بعد:
فقد يتساءل متسائل: بمَ نال العشرة المبشرون بالجنة هذا الشرف؟
الجواب يلخصه لنا سعيد بن جبير في عبارة موجزة، وما أحسن ما قال سعيد، قال: "كانوا أمام النبي في القتال، وخلفه في الصلاة".
يا لها من عبارة تحمل عبرات ودلالات، عبارة توجز لنا مسيرة العشرة، عبارة توصل لنا رسالة مفادها: أن الجنة تحتاج إلى عمل "كانوا أمام النبي في القتال، وخلفه في الصلاة"، عبارة توصل لنا رسالة مفادها: أن نيل المعالي ليس بالتمني، وأن الجنة غال ثمنها، تحتاج إلى تشمير وعمل بعد رحمة أرحم الراحمين.
"كانوا أمام النبي في القتال وخلفه في الصلاة"، عبارة توصل لنا رسالة مفادها: أن الانتماء لدين الإسلام يحتم خدمة دين الله جهادًا وبذلًا وإنفاقًا، يحتم المحافظة على ركن الصلاة المفروضة.
أيها الناس، ألا فلنتعبد لله بحب صحابة رسول الله عمومًا، وحب العشرة خصوصًا، محبة الصحابة دين وإيمان، وقربى إلى الرحمن، وبُغضهم كفر وطغيان، ومن أحب قومًا حُشر معهم، ألا يا مسلمون، لنطالع سِيَرَ الصحابة ولنقتدِ بهم، فهم القدوات، وهم النجوم، وهم الأبطال، في زمن غابت سيرهم، وبرزت سير التافهين والتافهات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].
يا ربنا، اللهم إنا نُشهدك أنا نُحب العشرة المبشرين بالجنة، ونحب صحابة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم فاحْشرنا معهم ومنَّ علينا بجوارهم في جنات النعيم.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|