سيرته صلى الله عليه وسلم في أمر اللباس
الحاجة إلى اللباس:
اللباس، كالطعام، حاجة من الحاجات الضرورية، وليس هو غاية بذاته، وإنما هو وسيلة لثلاثة مقاصد:
♦ ستر العورة.
♦ الزينة والتجمل.
♦ الوقاية من الحر والبرد.
وقد أشار القرآن إلى الأمرين الأول والثاني عند قوله تعالى:
﴿ يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا ﴾[1].
وأشار إلى الأمر الثالث بقوله تعالى:
﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ﴾[2].
وفي حدود هذه المقاصد كان النبي صلى الله عليه وسلم يختار لباسه.
لبس صلى الله عليه وسلم لباس قومه:
ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يلبس كما كان قومه يلبسون، وحتى بعد بعثته لم يحدث أمرًا جديدًا من حيث شكل اللباس.
وإنما جاء عنه صلى الله عليه وسلم تحريم لبس الحرير على الرجال.
كما نهى عن تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال[3].
ثياب الجمال وثياب الشهرة:
سبق القول: بأن التجمل بالثياب، هو واحد من مقاصدها، وقد أقر الإسلام ذلك وأذن به، بل وحث عليه.
فقد روى عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس»[4].
وعن مالك بن نضلة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دون، فقال: «ألك مال؟» قال: نعم، قال: «من أي المال؟» قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق، قال: «فإذا آتاك الله مالًا، فَلْيُر أَثرُ نعمة الله عليك وكرامته»[5].
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده»[6].
وهذا يدل على أن الإسلام يطلب إلى الناس التجمل.
ولكنه ينهى عن ثياب الشهرة، التي تقصد للاشتهار بين الناس بسبب نفاستها وتميزها، والتي إنما تلبس تفاخرًا بالدنيا وزينتها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس ثوب شهرة، ألبسه الله يوم القيامة ثوبًا مثله».
وفي رواية: «ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة، ثم تلهب فيه النار»[7].
وواضح أن هذا الثوب إنما يدفع إليه الكبر والتعالي على الناس.
وربما كانت الحكمة في النهي عن تطويل الثوب هذا المعنى نفسه. فقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار»[8].
لباس النبي صلى الله عليه وسلم:
كان صلى الله عليه وسلم يلبس ما تيسر له، فقد لبس الصوف تارة، ولبس القطن، ولبس الكتان.
وقد لبس الخشن والغليظ، ففي حديث مسلم، عن عائشة قالت: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مُرَحَّل[9] من شعر أسود»[10].
وأخرج الشيخان عن أبي بردة قال: «أخرجت إلينا عائشة كساءً وإزارًا غليظًا، فقالت: قبض روح النبي صلى الله عليه وسلم في هذين»[11].
ولبس صلى الله عليه وسلم الناعم والجميل، فعن البراء بن عازب قال: «رأيته صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء[12]، لم أر شيئًا قط أحسن منه»[13].
وكان صلى الله عليه وسلم يحب ثياب الحبرة، قال أنس: «كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبسها الحبرة[14]»[15].
وقالت أم سلمة رضي الله عنها: «كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص»[16].
قال ابن القيم: «ولبس صلى الله عليه وسلم البرود اليمانية، والبرد الأخضر، ولبس الجبة، والقباء، والقميص، والسراويل، والإزار والرداء، والخف والنعل»[17].
التيمن في اللباس وغيره
كان صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يبدأ باليمين في شأنه كله.
قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله[18]، وطهوره، وفي شأنه كله»[19].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمن، وإذا نزغ فليبدأ بالشمال، لتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع».
وفي رواية: «لا يمشي أحدكم في نعل واحدة، ليحفهما جميعًا، أو لينعلهما جميعًا»[20].
وعنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس قميصًا بدأ بميامنه»[21].
التقشف أحيانًا:
وإذا كان الإسلام يأمر بالتجمل والعناية بالمظهر، فإن ذلك لا ينبغي أن يصبح شغل الإنسان الدائم، بل ينبغي أن يكون للتقشف والبذاذة مكان في حياته.
عن عبدالله بن بريد: أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم زار فضالة بن عبيد وهو يومئذٍ أمير مصر، فرآه شعثًا فقال: مالي أراك شعثًا وأنت أمير الأرض؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه، قال: فمالي لا أرى عليك حذاء؟ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نحتفي أحيانًا[22].
وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «البذاذة من الإيمان»[23].
إن كثرة الإرفاه، وهي الانغماس في التنعم، والاستمرار في ذلك أمر مكروه لما يورث القلب من قسوة، ولذلك كانت البذاذة وهي التقشف والتجوز في الثياب، من الإيمان.
ولا تعني البذاذة والتقشف ترك الطهارة والنظافة، فإنهما من الدين.
دعاء:
عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبًا، سماه باسمه، إما قميصًا، أو عمامة، ثم يقول: «اللهم، لك الحمد، أنت كسوتنيه، أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له»[24].
ألوان الثياب:
يمكن القول بعد استعراض ما ورد في الأحاديث من ألوان الثياب، أنه صلى الله عليه وسلم لبس كل الألوان باستثناء ما نهى عنه وهو المعصفر والمزعفر.
فعن عبدالله بن عمرو قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين فقال: «أأمك أمرتك بهذا؟» قلت: اغسلهما؟ قال: «بل أحرقهما» وفي رواية: «إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها»[25].
وفي حديث علي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المعصفر[26].
والمعصفر: هو ما صبغ بالعصفر ويكون أحمر اللون[27] وكذا المزعفر، وهو ما صبغ بالزعفران.
وحديث ابن عمرو يقرر أمرًا آخر، وهو أن المسلم لا يلبس ما كان من ثياب الكفار خاصة بحيث يكون من هيئتهم ولباسهم، ولا يشاركهم فيه غيرهم.
لبس الخاتم:
أباح الإسلام للرجل لبس خاتم الفضة، وقد لبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرم خاتم الذهب.
عن عبدالله بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه وقال: «يعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيجعلها في يده» فقيل للرجل، بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله، لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم[28].
[1] سورة الأعراف، الآية (26).
[2] سورة النحل، الآية (81).
[3] أخرجه البخاري برقم (5885).
[4] أخرجه مسلم (91).
[5] أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي (د 4063، ت 2006، ن 5238).
[6] أخرجه الترمذي (2819).
[7] أخرجه أبو داود وابن ماجه (د 4029، 4030، جه 3606، 3607).
[8] أخرجه البخاري (5787).
[9] المرط: كساء يؤتزر به، والمرحل: الذي فيه خطوط.
[10] أخرجه مسلم (2081).
[11] متفق عليه (خ 5818، م 2080).
[12] حمراء: قال الشراح: هو أحمر مخطط بدلالة الأحاديث الأخرى.
[13] متفق عليه (خ 3551، م 2337).
[14] الحبرة: ثياب من كتان أو قطن محبرة، أي مزينة.
[15] متفق عليه (خ 5813، م 2079).
[16] أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه (د 4025، ت 1762، جه 3575).
[17] زاد المعاد (1/ 143).
[18] ترجله: أي ترجيل شعره، وهو تسريحه ودهنه.
[19] متفق عليه (خ 168، م 268).
[20] متفق عليه (خ 5855، 5856، م 2097).
[21] أخرجه الترمذي (1766).
[22] أخرجه أبو داود والنسائي (د 4160، ن 5073، 5254) ورواية النسائي مختصرة.
[23] أخرجه أبو داود وابن ماجه (د 4161، جه 4118).
[24] أخرجه أبو داود والترمذي (د 4020، ت 1767).
[25] أخرجه مسلم (2077).
[26] أخرجه مسلم (2078).
[27] فتح الباري (10/ 305).
[28] أخرجه مسلم (2090).
أ. صالح بن أحمد الشامي
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|