نبي الرحمة في عيون الغرب
هو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قُصي بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، هو الذي ينتهي نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، هو محمد صلى الله عليه وسلم، هو نبي الرحمة.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
أرسل الله تعالى حبيبه محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فعمَّت رحمته صلى الله عليه وسلم جميع المخلوقات من إنس وجان، وحجر وشجر وجمادات، والمسلمين وغير المسلمين، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجَّه الجيش لمقاتلة الظالمين المعتدين أمر أصحابه بألا يقتلوا شيخًا ولا طفلاً ولا امرأة، ولا يقطعوا شجرًا، ولا يُخربوا عامرًا، ولا يعقروا شاةً ولا بعيرًا إلا لمأكلِه، كما أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يَدَعوا الرهبان وشأنهم في صوامعهم، وقد رفع صلى الله عليه وسلم من مكانة المرأة وأعلى شأنها قائلاً: ((إنما النساء شقائق الرجال))، كما غمرت رحمته صلى الله عليه وسلم الطفولة، وامتدَّت لتشمل كل الكائنات، لدرجة أنه أمر أصحابه بعدم حرق النمل قائلاً: ((لا ينبغي أن يعذِّب بالنار إلا ربُّ النار))، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
صيحات الغرب تَعلو بالحق:
وقد وقف كثيرٌ من العظماء والمفكِّرين من غير المسلمين عبر التاريخ أمام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم موقف التعظيم لسيرته، والإعجاب بشخصيته، والإشادة بمواقفه ومبادئه، فهذا هرقل عظيم الروم يَطرح كثيرًا من الأسئلة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان لينتهي به المطاف بصدق دعوة محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً: "لو كنتُ عنده لغسلت عن قدمه"، أما النجاشي ملك الحبشة فقد أخْضَلَ بكاه لحيتَه عندما سمع بعض ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً: "إن هذا الكلام والذي جاء به عيسى ليَخرُجان من مشكاة واحدة".
هذا هو محمد، فهل هناك من هو أعظم منه؟
وعلى الجانب الآخر يقول المفكر الفرنسي "ألفونس دو لامارتين" الذي ولد في أكتوبر 1790، وتوفي في فبراير 1869؛ يقول في كتابه: "تاريخ تركيا"، باريس، 1854، الجزء الثاني، صفحة (276 - 277): "إذا كانت الضوابط التي نَقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمَن ذا الذي يَجرؤ أن يُقارِن أيًّا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة، وسنُّوا القوانين، وأقاموا الإمبراطوريات، فلم يجنوا إلا أمجادًا بالية لم تلبث أن تحطَّمت بين ظهرانَيْهم، لكنَّ هذا الرجل محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يقُدِ الجيوش، ويسنَّ التشريعات، ويُقِمِ الإمبراطوريات، ويَحكم الشعوب، ويروِّض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعدُّ ثلث العالم حينئذ، ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام، والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة، لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر من الله، كان طموحُ النبي صلى الله عليه وسلم موجَّهًا إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية، أو ما إلى ذلك، حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه، ووفاته صلى الله عليه وسلم، وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع، بل يدل على اليقين الصادق الذي أُعطِيَه النبي، والطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين، الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث، فالشق الأول يُبيِّن صفة الله (ألا وهي الوحدانية)، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى (وهو المادية والمماثلة للحوادث)، لتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المُدَّعاة من دون الله بالسَّيف، أما الثاني فقد تطلَّب ترسيخ العقيدة بالكلمة والحكمة والموعظة الحسنة.
ويُكمِّل "مارتين" قائلاً: "هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرِّع، المُحارب، قاهر الأهواء، مؤسِّس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادةٍ حقَّة، بلا أنصاب ولا أزلام، هو المؤسِّس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة، هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم، وبالنظر إلى كل مقاييس العظمة البشرية أودُّ أن أتساءل: هل هناك مَن هو أعظم من النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟
إنَّ العالم أحوج ما يكون إلى رجل مثل محمد:
هذا قول مارتين، أما المفكِّر البريطاني "جورج برنارد شو" الذي ولد في يوليو 1856، وتوفي في نوفمبر 1950، يقول: "إن العالَم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد صلى الله عليه وسلم، هذا النبي الذي لو تولى أمر العالم اليوم لوفِّق في حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يَسعى البشر إليها"، كما يقول أيضًا في كتابه "الإسلام الحقيقي" (1: 8): "إني دائمًا أكنُّ تقديرًا فائقًا لدين محمد؛ وذلك لحيويته العجيبة، ويبدو لي بأنه الدين الوحيد الذي يَمتلك السعة التي من شأنها استيعابُ مرحلة تغيير الوجود، وبهذا فإن أي فرد يَرضى به - أي: بدين محمد صلى الله عليه وسلم، ويقول: "لقد درستُ محمدًا هذا الرجل الرائع، وفي رأيي - وبعيدًا عن كونه معاديًا للمسيح - فإنه يجب أن يُلقَّب بمنقذ الإنسانية، وإني تنبأت بأن إيمان محمد سوف يَلقى قبولاً في أوروبا الغد كبداية قبوله في أوروبا اليوم".
محمد يملك بلا منازع قلوب ملايين البشر:
ولقد قال عنه "المهاتما غاندي" الذي ولد في أكتوبر 1869، وتم اغتياله في يناير 1948 في حديث له مع جريدة "ينج إنديا": "بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول محمد، وجدت نفسي بحاجة للتعرف أكثر على حياته العظيمة، إنه يملك - بلا منازع - قلوب ملايين البشر".
محمد أكثر البشر تأثيرًا على مر التاريخ:
أما الكاتب الأمريكي "مايكل هارت" الذي ولد في إبريل 1932، فقد قال عن محمد في كتابه: "الخالدون مائة"، والذي قام فيه بترتيب أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ، وقد كان محمدٌ صلى الله عليه وسلم على رأسهم؛ قال: "إن اختياري محمدًا ليكون الأول في أهمِّ وأعظم رجال التاريخ قد يدهش القراء، لكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين الديني والدنيوي".
فهذا هو محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه هي بعض شهادات أهل الغرب عنه، التي إن دلت جميعها فإنما تدل على عظمة هذا الرجل وإعجازه؛ فهو الذي قال عنه رب العزة في كتابه: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم: 3]، فصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|