من النبوءات المحمدية .. انتصار الروم وهزيمة الفرس
نَقصِد بالنُّبوءات هنا:
ما أخبر به النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - مِن أمور وأحداث تقَع في المستقبل، سواء في حياته أو بعد مَماته.
وقد تنبَّأ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بكثير من الأشياء التي تَحدُث في المستقبل، فوقعَت كما أخبرنا تمامًا، وهذا دليل على أن الله - عز وجل - قد أَوحى إلى الرسولِ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وأطلعه على أشياء من علم الغيب، الذي لا يُمكِن الوصول إليه إلا بالوحي، ومن ذلك: انتصار الروم وهزيمة الفرس:
في القرآن الكريم ذلك الكتاب العظيم الذي أنزله الله -تعالى- على نبيِّ الرحمة محمد - صلى الله عليه وسلم - جاء قول الله تعالى: ﴿ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الروم: 1 - 5].
ولهذه الآيات قصَّة عجيبة ذكَرها المؤرِّخون وأصحاب السُّنَن والسِّيَر وأهل التفسير، ومُلخَّص هذه القصة: أن الرومَ وفارسَ اقتَتلوا في أدنى الأرض[1]، فهُزمتِ الروم، فبلَغ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه وهم بمكة؛ فحَزِنوا لذلك؛ حيث كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يَكرهون أن ينتصر الوثنيُّون من المجوس على أهل الكتاب من الروم؛ لأن أهل الكتاب أقرب إلى الحق والتوحيد من الوثنيين من المجوس عبَّاد النار.
وفي المقابل فرح الكفار بمكة من الوثنيين بانتصار الفرس وشَمتوا بأهلِ الكتاب من الروم، فلقوا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إنكم أهل الكتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميُّون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتَلتمونا، لنَنتصرنَّ عليكم كما انتصر الفرس على الروم؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الروم: 1 - 5].
فخرَج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال: أَفرِحتم بانتصار إخوانكم على الروم؟ فلا تفرحوا، ولا يُقرِّنَّ الله أعينكم، فوالله ليَظهرنَّ الرومُ على فارس؛ فقد أخبرنا بذلك نبيُّنا الصادق المصدوق محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو إن أخبرنا بشيء يقع كما قال تمامًا.
فقام إليه أبيُّ بن خلف الجُمحي، فقال: كذبتَ يا أبا بكر، فلن ينتصر الروم، فقال له أبو بكر: أنت أكذب يا عدوَّ الله، فقال: نجعل رهانًا بيني وبينك على عشر قلائص[2] منِّي، وعشر قلائص منك، فإن فازَت الروم على فارس، غرمتُ أنا، وإن انتصرَت فارس، غرمتَ أنت، ومدة الرهان ثلاث سنين.
ثم جاء أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما كان بينه وبين أبيِّ بن خلف، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لماذا جعلت مدة الرهان ثلاث سنين؟ فما هكذا ذُكرَت: إنما جاء في الآيات أن انتصار الروم سيقع في بضع سنين، والبضع ما بين الثلاث إلى العشر، فاذهب إلى أبيِّ بن خلف، فاطلب منه الزيادة في قيمة الرهان مع الزيادة في مدته)).
فخرَج أبو بكر فلقيَ أبيَّ بن خلف فقال له: لعلك ندمت على رهانك لي، قال: لا، فقال أبو بكر: تعالَ إذًا أزيدك في مِقدار الرهان نجعله مائة قلوص، على أن نزيد مدة الرهان إلى تسع سنين، فوافق أبيٌّ على ذلك سعيدًا بزيادة قيمة الرهان.
وكان كفار قريش حينئذٍ قد استبعَدوا تمامًا إمكانية تحويل الرُّوم هزيمتهم من الفرس إلى انتصار في غضون تسع سنين فقط، فلم تكن هناك أي مؤشِّرات أو أمَارات تقوِّي هذا الاحتِمال وتَدعمُه.
أما المسلمون، فقد كانوا - رغم ذلك - واثِقين من تحقُّق النبوءة وانتِصار الروم على الفُرس في بضع سنينَ كما أخبرهم الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - فقد اعتادُوا أن تتحقَّق كل نبوءاته، وأن تَصدُق كلُّ كلماته، مهما كان الواقع يَستبِعد إمكانية حدوثِها.
وفعلاً تحقَّقت النبوءة واستَطاع الروم أن يُحقِّقوا انتصارًا كبيرًا على الفرس بعد أقل مِن تِسع سنين، وأتى خبر انتِصار الروم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين يوم الحُدَيبية؛ ففرحوا بذلك، وكسب أبو بكر الرهان وخسر أبيُّ بن خلف[3].
جدير بالذِّكر أن شريعة الإسلام لا تُبيح الرهان بل تُحرِّمُه، لكن الرهان لم يكن في ذلك الوقت حرامًا، وإنما أنزل الله تحريمَه بعد ذلك.
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91]
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|