أهمية التقوى وفوائدها (2)
12 ـ في أن يكون العمل من أفضل الأعمال التي ينعم بها صاحبها:
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 133 - 136].
وقال الله تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [الزمر: 73، 74].
وقال لبيد بن ربيعة كما في "الأدب العربي" للزيات (ص119):
إن تقوى ربنا خير نفل
وبإذن اللَّه ريثي والعجل
أحمد الله فلا ندّ له
بيديه الخير ما شاء فعل
والريث: البطء.
13 ـ 14 ـ في الصيام ليحصل المقصود منه وكذلك الحج:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ [البقرة: 183] إلى قوله: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187].
قلت: ختم الله أوَّل آية في شأن الصيام بقوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾، وختم آخر آية بقوله: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾، وهذا الأمر يَعرِفه مَن فَهِمَ مرادَ الله من هذه الحكمة، ولو لم يكن إلا أن التقوى تَقِي وتزجر صاحبها من أن يقع في الحرام، أو يُنْقِص واجبًا، أو يُحبط عمله إلى غير ذلك، وقد قيل: الدنيا كلها شهر صيام المتقين.
وقال الله تعالى في شأن الحج: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 189].
وقال تعالى: ﴿ وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 196].
وقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [البقرة: 203].
وقال قتادة: ذُكر لنا أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول: من اتقى في حجِّه، غفر له ما تقدَّم ذنبه، أو ما سلف من ذنبه؛ رواه ابن جرير في "تفسيره" (3 /566)، وهو منقطع، ومعناه صحيح.
وقال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص72): قد استَنبط معنى هذا الحديث من القرآن طائفة من العلماء، فتأوَّلوا قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [البقرة: 203]، بأن من قضى نسكه ورجع منه، فإن آثامه تسقط عنه، إذا اتقى الله إلى أن قال: وللحج المبرور علامات لا تخفى: أولها: يوم ألست بربكم، قالوا: بلى، والمقصود الأعظم من هذا العهد ألا تعبدوا إلا إياه، وتمام العمل بمقتضاه: أن اتقوا الله حق تقاته؛ اهـ.
وما أحسن ما قيل:
وداو ضمير القلب بالبر والتقى *** فلا يستوى قلبان قاس وخاشع
15 ـ في شكر الله على نعمه لتدوم:
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].
وقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [المائدة: 7].
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المائدة: 11].
وقال الشاعر:
إذا كنت في نعمةٍ فارعها
فإن المعاصي تزيل النعم
وحافظ عليها بتقوى الإله
فإن الإله سريع النقم
16 ـ 20 ـ في معرفة الحلال من الحرام والخبيث من الطيب، والحق من الباطل والخير من الشر، والسنة من البدعة وغير ذلك:
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 100].
وهذا أمر من الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس خاصًا به، فهو للأمة أجمعين؛ لقوله تعالى في آخر الآية: ﴿ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.
ووجه الدلالة من الآية ظاهرٌ في أن الخبيث والحرام، والباطل، والشر، والبدعة لا يساوي الطيب، ولا الحلال، ولا الخير، ولا السنة، ولا يجتمعان أبدًا، ولو في مثقال ذرةٍ، ومن علم هذا، وعمل به، حَصَل على الفلاح بإذن الله تعالى، والله أعلم.
وقال داود الطائي: البر همة التقي، ولو تعلَّقت جميع جوارحه بحب الدنيا، لردَّته يومًا نيتُه إلى أصله، ذكره ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1 /70).
21 ـ 22 ـ في قول الصدق وما يماثله من القول السديد:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة:119].
وقال تعالى: ﴿ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب: 70].
23 ـ في الإعانة على الصبر مما يحصل من الأعداء:
قال الله تعالى: ﴿ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120].
قال ابن كثير في "تفسيره" (2 /109): يُرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار وكَيْدِ الفُجار، باستعمال الصبر والتقوى، والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم، فلا حول ولا قوة لهم إلَّا به، وهو الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن, ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته، ومن توكل عليه كفاه؛ ا.هـ.
وقال الله تعالى: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].
وفي الباب غير ما تقدم الكثير, والله أعلم وأحكم.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|